کتاب الطلاق: [رسالةٌ في الطلاق] (8)

و الحاصل: ان عموم كلامه هذا، يفيد تقديم قول الزوج و ان ادعي التقدم، و لكن لا يدل علي تقديم قوله في دعوي اصل الطلاق. لان الظاهر من هذا الكلام و المسلّم منه، هو ما كان هناك فعل متحقق الوقوع ادعي الفاعل وقوعه علي وجه خاص. لا ادعائه صدور فعل منه لم يثبت وقوعه اصلا. بخلاف كلامه الاخر الذي استدل فيه بالاصل، فانه مصرّح فيه بان القول قوله في اصل الطلاق اذا نفاه، و الا فلم يكن معني لقوله «لان الاصل ان لا طلاق». و يؤيده ما سيجيئ من عبارته المنقولة من كتاب الرجعة؛ فانه لم يقدم قول الزوج اذا ادعي تقدم الزمان، مع انه فعله.

فاذا صحّ تمسك الزوج بالاصل في عدم الطلاق، فيصحّ من الزوجة ايضا اذا انكرته و ادعاه الزوج. فيقال ان القول قول الزوجة. لان الاصل ان لا طلاق[1].

سلّمنا عدم ظهور كلام العلامة فيما ذكرنا. لكنّ ظهوره فيما اراد المستدل به، ايضا ممنوع. سلّمنا ظهوره فيه. و لكنّه دعوي لا دليل عليها بل منافية للدليل القطعي من انّ البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه. اذ لا ريب ان مدعي الطلاق مدع لما يخالف الاصل و الظاهر من استصحاب بقاء الزوجية، و يصدق عليه تعريف المدعي بجميع معانيه.

و قال الشيخ ايضا في المبسوط في كتاب الرجعة (علي ما حكي عنه) فيما اذا كانت معتدّة بالشهور: «و لا يرجع في ذلك الي قبول القول، لانه مشاهد. الاّ ان يختلفا فقال الزوج: طلّقتك في شوال، و قالت: لا بل طلّقتني في رمضان. فالقول قوله مع يمينه، لان الاصل عدم الطلاق. و ان كانت بالعكس من هذا؛ فقال الزوج: طلقتك في رمضان. و قالت: لا بل في شوال. فالقول قولها، لانّها تطوّل علي نفسها العدة. غير انه تسقط النفقة عن الزوج فيما زاد علي ما يريد[2]. الاّ ان تقيم[3] بينة. كما اذا اختلفا فقال الزوج: طلقتك قبل الدخول. و قالت: لا بل بعد الدخول. فانّا نقبل قول الزوج في سقوط نصف المهر فيسقط عنه. و يقبل قول الزوجة في وجوب العدة لانه يضرّبها»[4].

(و كذلك نُقل عن ابن البرّاج و يحيي بن سعيد، ما يؤدي مؤداه).

و استدلاله باصالة عدم الطلاق، يفيد ما ذكرنا. و كذلك عدم تقديم قوله في صورة ادعاء التقدم، مع انه فعله. بل و تقديمه قول الزوجة لادعاء التاخّر. و انّما لم يتمسّك للزوجة، بالاصل. لظهوره من العبارة السابقة.

و يشهد بان الشيخ استند في ذلك ايضا بالاصل و مراده تقديم قولها في التاخر للاصل، تصريح المحقق بذلك حيث قال في احكام الرجعة: «و اذا ادعت انقضاء العدة بالحيض في زمان محتمل، فانكر. فالقول قولها مع يمينها. و لو ادعت انقضائها بالاشهُر، لم يقبل و كان القول قول الزوج. لانه اختلاف في زمان ايقاع الطلاق. و كذا لو ادعي الزوج الانقضاء، فالقول قولها. لان الاصل بقاء الزوجية اولاً»[5] الي اخر ما ذكره.

و مثله [ما] ذكر[ه] العلامة في القواعد. و عادتهما[6] في الغالب متابعة المبسوط[7] في نقل الفتوي ثمّ الرّد، او القبول، [ا]و الاستشكال.

و اما التمسك بتطويل العدة و استثناء اسقاط النفقة؛ فهو كلام في لوازم التداعي، لا نفسه. اذ قد عرفت سابقا الفرق بين الدعوي و الاقرار، و اجتماعهما و افتراقهما. فالكلام هنا في نفس الدعوي [و] تقديم قول الزوج في الفرض الاول، لمطابقته للاصل. و تقديم قول الزوجة في الثاني لذلك.

و اما بيان اللوازم: فالزوج و ان كان لا يقبل قوله في صورة ادعاء التقدم من جهة الدعوي، لكن لمّا كان دعويه مستلزما للاقرار بوجوب النفقة اكثر مما تدعيه المرئة، فيجب عليه الانفاق، و ان لم يقبل منه وقوع الطلاق في الزمان الذي ادعاه. و الزوجة و ان كان يُسمع قولها في تاخر الطلاق، و لكن بسبب استلزام دعويها سقوط النفقة في زمان يستلزمه دعوي الزوج، فهو اقرار علي نفسها. فيجب علي الزوج ادائها، و علي المرئة ترك اخذها، بمقتضي اقراريهما. و كذلك يستلزم دعوي المرئة تطويل عدتها، فهي[8] ماخوذة باقرارها. و ذلك لا ينافي كون معتمد الشيخ في تقديم قول الزوجة، هو الاصل. كما لا يخفي.

و يمكن ان يكون مراد الشيخ من قوله «غير انه تسقط النفقة عن الزوج… الي اخره» ان الزوجة و ان كانت مصدَّقة في تاخر الطلاق و ماخوذة بسبب اقرارها علي عدتها، و لكن لما كان يمكن الاختلاف في عدّة المسترابة‌ (بسبب طريان الحيض في خلال الشهور و ملاحظة سبق الامرين من الحيض الثلاث و الاشهُر الثلاث، كما قرّر في محله. فربما يزيد العدة بعد فرض قبول قولها و ردّ قول الزوج علي ما يريد الزوج و يقرّ به) فقد يكون الزوج مقرّاً بكون العدة ثلاثة اشهر بعد البناء علي قول المرئة و هي تدعي ازيد من ذلك من جهة طريان الحيض قبل انقضاء الثلاث بيوم مثلا[9]. فحينئذ يجيئ التداعي و لا يقبل قول الزوجة الا بالبينة.

فلا وجه لما قد يتوهّم: ان مراد الشيخ في المسئلتين، تقديم قول الزوج لانه من فعله. و مراده في تقديم قولها في المسئلة الثانية انّما هو قولها في العدة خاصة لا في تاخر الطلاق. نظراً الي استدلاله و تنظيره بحكاية دعويهما في كون الطلاق قبل الدخول و بعده. و لو كان مراد الشيخ الاعتماد علي الاصل في تقديم قول الزوجة، لجاز مطالبتها ببقيته ايضا.

 

و قوله(ره): «كما اذا اختلفا.. الي اخره» فلعلّ‌ مراده التنظير للصورة الاخيرة، يعني كما انه يسمع قول الزوج و يقدم في دعوي كون الطلاق قبل الدخول، بمقتضي الاصل لاصالة عدم الدخول، و لا يسمع قول المرئة، و مع ذلك يُعمل علي اقرارها اللازم لدعويها و ان اخّره، فانّ اقرار الزوجة بكون الطلاق بعد الدخول، مستلزم لوجوب العدّة عليها. فكذلك في صورة ادعاء الزوج التقدّم في الطلاق، و الزوجة التاخير؛ لا يقبل قول الزوج لمخالفته للاصل، و يُعمل علي قول المرئة و اقرارها و ان اضرّ بها، مع تقديم قولها في الطلاق من جهة الاصل. و لكن تسقط نفقة الزوجة عن الزوج فيما زاد علي ما يقرّ به الزوج، يعني بعد تقديم قول الزوجة و بناء اول العدة من شوال. فيكتفي في النفقة التي هي مراد الزوجة في هذه الدعوي، علي ما اتفقا الزوجان عليه، لا بما تريد المرئة و تطوّل علي نفسها و ان كان ذلك التطويل مأخوذا عليها من جهة اقرارها و تكليفا لها به.

و لازم ذلك ان في صورة الاولي ايضا (اعني صورة دعوي الزوج التاخر لاجل الرجوع) لا يمكنه الرجوع في ازيد مما يتفقان عليه، بعد البناء‌ علي قول الزوج و اخذ اول العدة من شوال. فاذا اراد الزوج الرجوع بعد الزمان المتفق عليه، بادعاء بقاء العدة و طولها، فعليه البينة.

فوجه التشبيه و التنظير انما هو اِعمال الاصل و سماع الاقرار.

 

و لا مجال لتوهّم ان يقال: مراد الشيخ ان قول الزوج في دعوي تقدم زمان الطلاق، مسموع كما انه مسموع في دعوي تاخره، لكنّه يلزم علي الزوجة تطويل العدة و سقوط زايد النفقة باقرارها.

بل كلامه كالصريح في عدم قبول قول الزوج. و يشهد به ان العلامة في التحرير اوجب عليها اليمين مع تقديم قولها. و لو لم يكن المراد تقديم قولها في الطلاق (و كان المراد محض الاخذ بالاقرار) فلم يكن لليمين معني مع الاخذ من جهة الاقرار. و حمل كلامه علي السّهو، سهوٌ. و عدم ذكر الشيخ اليمين اعتمادٌ علي ما [تمسك] قبل هذه الصورة الاولي علي القاعدة المسلّمة في التداعي.

و انت اذا عرفت ما بيّنّاه في توجيه كلام العلامة في التحرير، تعرف الكلام فيما يؤدي مؤداه من كلماتهم؛ مثل كلام ولده في الايضاح، فانه في شرح كلام والده حيث قال «و لو اتفقا علي زمان الوضع، و اختلفا في وقت الطلاق، هل قبل الوضع او بعده، قدّم قوله لانه اختلاف في فعله. و فيه اشكال من حيث انّ الاصل عدم الطلاق و الوضع. فكان قول منكرهما مقدما». قال: «هذا[10] اصل يتفرّع منه مسئلتان: و هو انه قد[11] اتفقا علي زمان الوضع بانه كان يوم الخميس كذا من الشهر مثلا، ثم اختلفا في وقت الطلاق فهنا مسئلتان: الاولي: ان يدعي الزوج تقدمه، كيوم الاربعا في المثال المذكور. فيثبت انقضاء العدة و ينتفي توابعها[12]. و تقول هي بل يوم الجمعة (في المثال). فينعكس نفيه و اثباته، فيقدم قول الزوج. لان الطلاق من فعله. و يُعارضه ان الاصل عدم الطلاق يوم الخميس، فالاصل بقاء حقوقها. و الاصح عندي الاول، لان الطلاق بيده و يُصدَّق في اصله، فيُصدَّق في وقته.

 

الثانية عكس الاولي: فتقول: طلّقتني يوم الاربعا. فيقول هو: يوم الجمعة. فتنفي[13] حقه و يثبته هو. و هيهنا قوله مقدم قطعا. لان الطلاق من فعله و هو ينفيه. و قوله و الوضع، عطف علي الطلاق اي الاصل عدم الوضع. و هو اشارة الي انه لو اتفق الزوجان علي زمان الطلاق، و اختلفا في زمان الوضع؛ فانه يحتمل ان يكون القول قول نافيه، لان قوله يوافق الاصل، و هذا معني المنكر. و يحتمل تقديم قولها، لانه من فعلها» انتهي[14].

 

و الحاصل: انّا لا ننكر وجود القول بتقديم قول الزوج في تقديم وقت الطلاق، من جماعة من الاصحاب. لكنّا نقول: ذلك لا يدل علي لزوم تقديم قوله في اصل الطلاق الذي هو موضوع مسئلة الرسالة.

 

و اما الكلام في تقديم قوله في وقت الطلاق، فمع دعواه التاخر لا يبقي اشكال الاّ من جهة ظواهر النصوص الدالة علي انّ العدة مع النساء. و قد مرّ الاشارة الي دفعه من ان النصوص لا ينصرف الي مثل دعوي المرئة تقدم الطلاق لاِبقاء العدة. و اما مع دعواه التقدم، فلا ريب في ضعف القول بتقديم قوله، لما مرّ من انّ مجرّد كون الفعل لاحد و كونه اعرف بفعله، لا يقاوم الاصل و استصحاب بقاء الزوجية و توابعها.



[1] و في النسخة: الطلاق.

[2] و في المبسوط؛ علي ما اقرّ به.

[3] و في النسخة: بقم.

[4] المبسوط، (كتاب الرجعة) ج5 ص102- و فيه: و نقبل قول الزوجة.

[5] شرايع الاسلام، ج3 ص20 ط دارالتفسير.

[6] اي: عادة المحقق و العلامة.

[7] و في النسخة: المقصود.

[8] و في النسخة: عدنهما وهي.

[9] فينجّر تمام الحيض بايّام بعد تمام الثلاث الاشهُر.

[10] و في الايضاح؛ هنا.

[11] و في الايضاح؛ اذ.

[12] و في الايضاح طبع كوشانپور؛ و يبقي توابعها- و الصحيح عبارة المصنف(ره).

[13] و في النسخة: فيبقي.

[14] ايضاح الفواعد،‌ ج3 ص349 ط كوشانپور.