کتاب الطلاق: [رسالةٌ في الطلاق] (7)

و اما الزوجة الثانية: فان صدّقته في الطلاق مع تصديق الاولي زوجها في الرجوع، فيثبت النكاح للاولي، و الطلاق للثانية. و لا اشكال. و كذلك ان كذّبته في الطلاق مع تكذيب الاولي زوجها في الرجوع. فيثبت النكاح للثانية و الطلاق للاولي. لما ذكرنا ان المطلّقة بالفرض واحدة. و ان صدّقته في الطلاق مع تكذيب الاولي في الرجوع. او كذّبته مع تصديق الاولي زوجها في الرجوع. فهذان يستلزمان اِما كونهما معاً مطلّقتين، او غير مطلّقتين. فهو فاسد جزما. فكلما حصل الموافقة في هذه الصّور فالامر واضح. و كلّما وقع النزاع و الانكار، فيرجع الي الحلف، و يظهر الحال.

و منها: ما ذكروه في اقرار الزوج في العدة بالرجعة؛ مثل ما قال العلامة(ره) في التحرير: «و لو قال زوج الحّرة قبل [الـ]انقضاء: را جعتك بالامس. فالوجه تقديم قوله. لقدرته علي الانشاء‌. و لو صدّقناه؛ فالاقرب انّ اقراره انشاء»[1]. و قال بعد ذلك: «الاشهاد علي الرجعة مستحبّ، غير واجب و لا شرط. و القول قول المنكر مع اليمين. و لو قال في العدة: كنت راجعتك بالامس. صحّ الرجوع». و قال في القواعد: «و يستحبّ الاشهاد و ليس شرطا، لكن لو ادعي بعد العدة وقوعها فيها، لم تقبل دعواه الآ بالبينة»[2]. ثمّ قال: «لو اقرّ بالرجعة في العدة، قُبل قوله لانه يملك الرجعة حينئذ». ثمّ قال: «لو ادعي الرجعة في وقت امكان انشائها، قدّم قوله مع احتمال تقديم قولها. فحينئذ لا يجعل اقراره انشاء».

وجه الاستدلال: تقديم قول الزوج بالرجعة، في هذه العبارات بناء علي انه ادعاها و اقرّ بها في وقت يمكن له انشائها فيه. فدعوي الزوج الطلاق في وقت يمكن اجرائه، مسموع و مقدم علي قول الزوجة.

 

اقول: ينقسم اخبار الزوج عن الرجوع، علي اقسام: اخباره في حال العدة بالرجوع في زمان قبل الاخبار من ازمنة العدة فاِمّا مع انكار[3] الزوجة او عدم انكارها. و اخباره بالرجوع بعد انقضاء العدة في حال العدة مع انكار الزوجة او عدمه. فاذا اخبر في حال العدة بالرجوع بالامس مثلا. فان وافقه الزوجة، فلا كلام. لان الامر لا يخرج منهما و المسلم مصدَّق في اقواله و افعاله ما لم يزاحمه غيره. و اما مع انكار الزوجة، فيحصل في المقام امران: الاول انّ ما تستلزمه دعوي الزوج من الاقرار، نافذ في حقه. و قد اشرنا سابقا ان الدعوي قد يستلزم الاقرار علي المقرّ اِما بالفعل او في المستقبل، فيوخذ علي مقتضي اقراره من لزوم النفقة و حرمة الاخت و غير ذلك.

و اَما الكلام في دعويه ذلك مع انكار الزوجة، فهو كلام مغاير للكلام في امر ارادة اللازم للدعوي. فحينئذ يجيئ الخلاف في انه هل يقدم قول الزوج او الزوجة؟-؟ و قول الزوجة هنا و ان كان موافقا للاصل، لكن الظاهر تقديم قول الزوج بوجهين:

الاول: انه فعله و بيده و قادر علي ان يفعله، و قلّ ما يحصل الفائده في انكار الزوجة حينئذ. لان الزوج اذا كان غرضه الرجوع، فهو قادر علي انشاء الرجوع بالفعل (كما هو المفروض) فيصير كلام الزوجة كاللغو. فالظاهر هنا يقدم علي الاصل لذلك. و ليس كذلك الطلاق، اذ هو موقوف علي امور كثيره مثل اشهاد العدلين و اثبات كونه في طهر غير المواقعه و نحو ذلك، سيما اذا كان الدعوي مع الورثة و كان الزوج ميتاً، فينفع الانكار فيه غالبا. و ليس في الرجعة امثال ذلك.

 

و الثاني: انه علي فرض كذب الزوج في هذا الاخبار، فهو مستلزم للرجوع، فانه مستلزم لارادة بقاء الزوجية[4] حين الدعوي. فهو من قبيل الافعال الدالّة علي الرجوع (كالتقبيل و ما يشبهه من الاقوال و الافعال). فيحصل من جهة ذلك القول[5] قوّة لصدقه في الدعوي ايضا. فيقدم علي الاصل. فالكلام فيما نحن فيه اِما في نفوذ الاقرار علي نفسه و عدمه، و اما في تقديم قوله في الدعوي ايضا علي الزوجة المنكرة. فاَما نفوذ الاقرار علي نفسه، فلا ريب في سماعه و نفوذه. للادلّة الدالّة‌ علي نفوذ اقرار العقلاء‌ علي انفسهم. و كذلك نفوذه لما ينفعه ايضا اذا لم تكذّبه. و اما تقديم قوله في الدعوي، فهو الاظهر، لما ذكرنا ايضا.

و اما لو كان الاخبار بعد العدّة، فهو ايضا بالنسبة الي نفسه مسموع. لاجل تضمن الدعوي الاقرار علي نفسه في مثل النفقة و غيرها. و اما بالنسبة الي الزوجة، فهو دعوي و كلامها مطابق للاصل. و الاظهر عدم القبول الاّ بالبيّنة. فان اصالة عدم الرجوع و استصحاب حال الطلاق، اقوي من الظهور المستفاد من كون الفعل فعله و بيده. كما لا يخفي.

فحينئذ نقول: مراد العلامة من قوله «و لو قال زوج الحرّة قبل الانقضاء، راجعتك» هو بيان صورة الدعوي. و اختار فيه قوله و علّله بانه قادر علي الانشاء‌ حين الدعوي. و وجه كونه علّة التقديم، ظهر مما ذكرنا. و ليس المراد ان مجرد الاقرار به يكفي لثبوت ما له و عليه (كما يتوهم)، لما بيّناه سابقا في اوايل الرسالة. و بيّنا ان المراد من قولهم «من ملك انشاء‌ شيئ،‌ يملك الاقرار به» بيان حكم نفوذ الاقرار علي نفسه في كل ما يملك انشائه. لا انه يصير الاقرار في حكم الانشاء في جميع الاحكام مما له و عليه.

و اما ذكرهم عليه هذه القاعدة في مقام الدعوي (مثل عبارة التحرير هذه) فهو ليس الاّ من جهة ما يستلزم ذلك ضعف قول المنكر و قوة المدعي. كما اشرنا اليه انفا ايضا. فنقول في توضيح المقام:‌ ان قول العلامة «لقدرته علي الانشاء» بيان لكبري قياس مطوي. فكانه قال «الزوج قادر علي انشاء الرجعة، و كل قادر علي انشاء الرجعة قادر علي الاقرار بها، فهذا قادر علي الاقرار بها». و مقتضي هذا الدليل انه يصح من الزوج الاقرار بالرجعه. ثمّ عقّب هذا القياس بقياس اخر. فانه بعد ما صحّح الاقرار بما تقدم و فرض انه اقرّ‌ بالرجعة، يقول «هذا الزوج اقرّ بشيئ هو الرجعة، و كل من اقرّ بشيئ فيثبت عليه كل ما عليه و كل ما له و علي غيره. فهذا يثبت باقراره كل ما له و عليه و علي غيره». و قد حققنا في اوايل هذه الرسالة منع هذه الكبري، بما لا مزيد عليه. اذ ليس مقتضي الاقرار (بالنظر الي اصطلاح الفقهاء، بل اصطلاح اهل الشرع و العرف و اللغة) الاّ‌ اثباته ما يضرّ بنفسه او يُثبت شيئاً للاخر. فتحقق من ذلك انه لا بد من حمل استدلاله(ره) بهذه القاعدة علي ارادة‌ بيان موافقة كلام المدعي في صورة‌ الدعوي للظاهر، لا غير. و انت خبير بانّ مثل هذا لا يجري في ادعاء الطلاق، لكونه مخالفاً للاصل و الظاهر كليهما.

و اما قوله(ره) «و لو صدّقناه، فالاقرب ان اقراره انشاء»، فاراد به:‌ انّا لو نقدم قول الزوج في الدعوي المذكورة، و قدمنا قول الزوجة في انكارها اعتماداً علي الاصل، فحينئذ و ان لم يثبت الرجعة بالامس الّتي ادعاها، و لكن هل يفيد اقراره بالرجعة المستفادة من ادعائه وقوعها بالامس، حين التكلم، نظراً الي كونه بمنزلة الرجوع الفعلي (كما اشرنا اليه سابقا) او ليس بمنزلة انشاء الرجوع، لانه اخبار محتمل للصدق و الكذب، و الانشاء لا يحتملهما، فالاقرب ان اقراره هذا، بمنزلة الانشاء. فظهر بذلك انه لا دخل لهذه العبارة في تقديم قوله في الدعوي. بل هو في مقام تصحيح الاقرار بالرجوع في زمان التكلم. و هذا خارج عن نفس الدعوي.

و اما قوله(ره): «و القول قول المنكر مع اليمين»، فالمراد به بيان حال الدعوي بعد انقضاء العدة، بقرينة العبارة المتقدمة الدالّة علي تقديم قولها في الدعوي في حال العدة. و بقرينة قوله بعد ذلك: «و لو قال في العدة: كنت راجعتك بالامس صحّ الرجوع». و المراد بهذه العبارة الاخيرة بيان استلزام هذه الاخبار لانشاء الرجوع حين التكلم، مثل الرجوع الفعلي.

 

و اما قوله(ره) في القواعد: «لو ادعي بعد العدة، وقوعها فيها، لم يُقبل دعواه الاّ بالبينة»، فهو[6] قرينة علي ماذكرنا من ان المراد بقوله في التحرير «و القول قول المنكر مع اليمين»، ايضا الدعوي ما بعد العدة. و وجهه ظاهر و موافق للحديث المستفيض المشهور اعني قوله(ع): البينة للمدعي و اليمين علي المنكر.

و اما قوله في القواعد بعد ذلك، «لو اقرّ بالرجعة في العدة، قُبل قوله. لانه يملك الرجعة حينئذ» فهذا بيان لحال الاقرار، لا حال الدعوي. فان الاقرار بالرجعة اقرار علي النفس. اَما بالفعل؛ [فـ]لاستلزامه لزوم النفقة و الزام حقوق الزوجية. و اما بالقوّة؛ فبسبب ظهور مخالفةٍ بعد العدة. كما لو ندم الزوج عن الرجوع بعد انقضاء العدة و ارادت الزوجة اخذ النفقة و كانت راضية بالزوجية و لو كان الرجوع في حال العدة مخالفا لطبع الزوجة. نظير ما لو اخبر بكون عبد الغير حرّاً، ثمّ اشتراه. كما تقدم. فالمراد بقوله «لانه يملك الرجعة»، الاشارة الي تحقق حقيقة الاقرار. فان كل من يملك شيئاً يملك الاقرار به. يعني ينفذ اقراره فيه. او اشارة الي انّ كل من ملك شيئا [ا]و فُوّض اليه ذلك الامر، فالقول قوله. بمعني انه يُصدّق فيه مطلقا، او علي نفسه. او يقدم قوله. فهو معني عام يجري في الاقرار و في مطلق الاخبار. و لذلك يُسمع قول المرئة في العدة و انقضائها، و الخلوّ عن المانع، بل و التحلل بعد التطليقة الثالثة. و المراد انه ابصر بما فوّض اليه، فيسمع قوله مطلقا، اذا لم يعارضه احد. او [مع] اليمين مع الخصومة و الدعوي. و علي نفسه مطلقا.

 

 و يُنبّه علي ذلك، ما ذكره الفاضل الاصفهاني حيث انه في شرح القواعد بعد قول العلامة: «و لو اقرّ بالرجعة في العدة قُبل قوله» قال: «فيما له و عليه، في العدة كان الاقرار او بعدها. لانه يملك الرجعة حينئذ. اي لانّها حقه، و لا فعل فيها لغيره، و لا يُعلم الا من جهته. فاذا ادعاها قُبلت. و علي المرئة ان تقبل منه بغير يمين. و كذا من اراد نكاحها. و هو لا ينافي تقديم قول غيره اذا انكرها،‌ او تكليفه باليمين»[7] انتهي.

فظهر ان استدلاله في العبارة الثانية بهذه القاعدة، مبني علي بيان حال الاقرار علي النفس، او علي من لم يزاحمه احد فيما له ايضا. و في الثالثة علي الدعوي. فلم يبق هنا الاّ‌ الكلام في ترجيح الاصل علي قول صاحب الفعل في صورة الدعوي. و قد مرّ الكلام فيه و سيجيئ ايضا.

 

و اما قوله(ره) «لو ادعي الرجعة في وقت امكان انشائها»، فهو بيان لصورة الدعوي في حال العدة. فلا تكرار في كلامه و لا تناقض (كما فهمه بعضهم و حسب انه تردّد في الحكم بعد ما جزم بتقديم قوله في العبارة السابقة علي ذلك. و اعترض عليه بانه خالف حكمه السابق) اذ قد عرفت اَنها في بيان حال الاقرار، و هذه في بيان حال الدعوي حال العدة. كما ان العبارة الاولي في بيان حال الدعوي بعد العدة. و وجه تردده(ره) ان قول الزوجة المنكرة، موافق للاصل، فيتجّه تقديمه. و لانّها منكرة فالقول قولها مع يمينها. و وجه تقديم قول الزوج: انها فعله و انه قادر علي انشائها، و من البعيد ان يكون كاذبا، لانه لا ينتفع مزاحمة منكره غالبا، و تصير لغواً[8]. لانه يتمكن في ذلك الحين ان يقول رجعت اليها. كما اشرنا سابقا. مضافا الي كون تلك الدعوي كافية في الرجعة و ان لم يكن صادقا في اخباره عن وقوع الرجعة قبل التكلم. و لذلك قال(ره) بعد قوله «مع احتمال تقديم قولها» فحينئذ لا يجعل اقراره انشاء، بمعني ان من يعتمد علي الاصل[9] و يُقدَّم قول المرئة المنكرة، لا يجعل اقراره بمنزلة الانشاء.

 

و اما ولده فخر المحققين(ره): فقوّي تقديم قوله نظراً‌ الي ان الفعل كاف في الرجعة، و لم يعتمد علي مجرد دعويه الرجوع، بل علي كون الاقرار بمنزلة الانشاء[10].

 

و حاصل المقام: ان الكلام في الرجعة يختلف بسبب ملاحظة الاقرار، و الدعوي[11] و صدور الاخبار عنها من الزوج في العدة، [ا]و ما بعدها. و ان الاظهر تقديم قول المنكر بعد العدة، للاصل و الاستصحاب. و القول قول الزوج المدعي لها في المدّة، مع اليمين اذا انكرتها الزوجة. و اما الكلام في اصل الطلاق، فهو مثل الكلام في الرجعة بعد العدة، فالقول قول منكره، للاصل و الاستصحاب، و عدم وضوح الدليل علي تقديم قوله بمجرد انه من فعله و مفوّض اليه حينئذ. فالاعتماد اذن علي المرجحات في تقديم القول. و لا ريب انها في جانب الزوجة المنكرة، اكثر. لاستصحاب بقاء‌ الزوجية و حقوقها (من القسم و النفقة و غيرهما)، و اصالة عدم وقوعه في الواقع، و لصدق لفظ المنكر الواقع في الاخبار، عليها حينئذ. و الدليلان الاخِران، متغايران[12]. فلا يتوهم الغافل رجوعَ الثاني[13] الي الاول، مطلقا. و لذلك استدل فخر المحققين(ره) بتقديم قولها في الانكار بعد العدة بهما معا.

 

و هيهنا كلمات اُخر لشراح القواعد. يطول المقام بذكرها و ذكرما فيها. طوينا عن ذكرها، مخافة الاطناب.

 

و منها: بعض عباراتهم المذكورة في اختلاف الزوجين في زمان الطلاق، لاجل الرجعة و النفقة؛ مثل عبارة التحرير، قال: «و لو كانت معتدّة[14] بالشهور، فان اتفقا علي زمان الطلاق، او الوفاة، اعتبر ثلاثة اشهر و اربعة و عشرة ايام. و ان اختلفا، فالقول قول الزوج. لان القول قوله في اصل الطلاق، وكذا في وقته»[15].

و وجه الاستدلال[16]: الاستدلال بقوله «لانّ القول قوله في اصل الطلاق»،‌ فان الظاهر منه انّ تصديق الزوج و تقديم قوله في دعوي اصل الطلاق،‌ كان مسلّماً عندهم.

 

اقول: ان اريد من كونه مسلّما عندهم، كونه اجماعيا، فهو في غاية البعد. لندرة المصرّح بتقديم قول الزوج في اصل الطلاق. بل لم نقف علي تصريح به في كلامهم. و ستعرف ان مثل هذه العبارة ايضا ليست بصريحة. مع ان كلماتهم في غاية الكثر[ة] في التردد و التوقف و الاختلاف فيما لو كان اختلاف الزوجين في وقت الطلاق. و هو يستلزم كون تقديم الزوج في اصل الطلاق خلافيا. بل هو اولي بكونه خلافيا. فانهم ذكروا (في موضع بيان دليل الطرفين في تقديم قول الزوج في وقت الطلاق) في مقام الاستدلال علي تقديمه، بانه فعله، و انه اعرف بفعله، فيقدم قوله. و عارضه خصمه بان مدعي التاخّر يقدم قوله لان الاصل تاخر الحادث. و كثير منهم صرّح بذلك.

 

و لا ريب ان مئال[17] التمسك باصالة التاخر، هو اصل عدم الحادث. فاذا كان اصل العدم (مع انخرامه في الجملة، و زواله قطعا في بعض الاوقات، المحتمل عدم وقوعه فيه) حجةً للنافي و قابلاً للتمسك به، فمع عدم حصول القطع بزواله اصلا و راسا، فهو اولي بالتمسك. اذ لا ريب ان مع تداعيهما في وقوع اصل الطلاق، لم يحصل القطع بوقوعه اصلا و راسا، و وقوعه مشكوك فيه. و مع اتفاقهما معا بوقوع الطلاق، فوقوع الطلاق يقيني. فيصير التمسك بالاصل هناك اضعف، و ينفتح سبيل معارضه؛ من الظاهر، و هو ان صاحب الفعل اعرف بكيفية ما فعل. يعني ان من فعل فعلا في الخارج واقعا، فهو اعرف بما صدر منه. و هذا لا يجري في مدعي الطلاق مع انكار المدعي عليه راسا. فلا يحسن ان يقال مدعي الفعل اعرف بوقوعه فيقدم قوله. مع انه مسبوق بالعدم الازلي اليقيني.

 

فمن جملة من استشكل في تقديم قول الزوج مطلقا، الفاضلان في الشرايع و القواعد؛ قال المحقق في احكام العدد: «اذا اتّفق الزوجان في زمان الطلاق و اختلفا في زمان الوضع، كان القول قولها. لانه اختلاف في الولادة و هي فعلها. و لو اتفقا في زمان الوضع و اختلفا في زمان الطلاق، فالقول قوله. لانه اختلاف في فعله» قال «و في المسئلتين اشكال. لان الاصل عدم الطلاق و عدم الوضع»[18]. و قال الشهيد الثاني في اخر شرح هذا الكلام: «و المصنف استشكل في حكم المسئلتين علي الاطلاق. و يحصل الاشكال ان مجرد كون الفعل من المدعي، مع معارضة الاصل، غير كاف في تقديم قوله. لان الاصل قاعدة يرجع اليها في الاحكام الشرعية. بخلاف تقديم قول المدعي. و حينئذ فاللازم تقديم قول من يدعي تاخر الفعل من الطلاق و الوضع. سواء كان المدعي هو الفاعل ام غيره، فيقدم قوله في الاول، دون عكسه» قال «و هذا هو الوجه»[19].

 

و كذلك صرّح في الشرايع في احكام الرجعة بتقديم قولها في تاخر الطلاق، لان الاصل بقاء‌ الزوجية. و لا يقدم قول الزوج و ادعائه انقضاء العدة. و عللّه في المسالك باصالة عدم تقدم الطلاق و بقاء الزوجية الثابتة اولا، الي ان يظهر زوالها. و يؤدّي مؤدي ذلك ما ذكره في الشرايع في احكام النفقات، قال: «اذا طلّق[20] الحامل رجعية، فادعت ان الطلاق بعد الوضع و انكر، فالقول قولها مع يمينها»[21]. و قال في المسالك في اخر شرح هذا الكلام: «و لو قيل بتخصيص هذا الحكم بما اذا لم يعيّنا زمانا لهما. و اما لو اتفقا علي زمان احدهما و اختلفا في تقديم الاخر و تاخّره، فالقول قول مدعي تاخّره مطلقا، لاصالة عدم تقدمه و استقرار حال ما اتفقا عليه، كان حسناً»[22]. ثم قال: «و ربما قيل بانه مع الاتفاق علي وقت احدهما و الاختلاف في الاخر، يقدم قول الزوج في الطلاق، مطلقا. لانه من فعله. و قولها في الوضع مطلقا. لذلك»[23]. و هذا يشعر بندرة القائل بهذا القول.

و يودّ مودّي كلام الشرايع، كلام القواعد في المواضع الثلاث. و نقل من بعض شراحه[24] ايضا ما يقرب من كلام المسالك. و اختار تقديم قول المسالك و اختار تقديم قول مدعي التاخر و نسب القول بتقديم قول صاحب الفعل الي بعضهم، و قال في موضع اخر:‌ و لعل الاظهر تقديم ما حلّ به الاشكال. لان ظهور حجية الاصل بقول مطلق،‌ اقوي من تقديم كون فعل نفسه مطلقا. ثم قال: نعم اذا كان الفعل مما لا يستلزم ابطال حق الغير و لا يتوجه الي مدعيه منازعة، كما اذا ادعي انه صام، او صلّي. او لا يمكن اقامة البينة عليه (كما اذا ادعي انه احتلم) بوجه، يقدم قول مدعيه.

و كذلك يظهر من الفاضل الاصفهاني في شرحه تقديم قول مدعي بقاء‌ العدة، و العمل بمقتضي الاصل، و الموافقة للمسالك. بل ازيد من ذلك. فلاحظ.

فالحاصل: انه لا ينبغي التامل في ان مقتضي كلمات هؤلاء و تمسكهم بالاصل، انّ تقديم دعوي الطلاق من الزوج بقول مطلق، ليس بتمام. بل و يمكن ادعاء استلزام القول بتقديم قول الزوج في اصل الطلاق، القول بتقديمه في وقته. و القول بتقديمه في الوقت محل خلاف بينهم. كما عرفت و ستعرف. فكيف[25] يُدّعي كون تقديم قوله في الاصل،‌ وفاقياً؟! فكل من يقول بعدم تقديم قوله في الوقت، لابد ان يقول بعدم تقديم قوله في الاصل.

 

و قد يجاب عن ذلك بالنقض و الحلّ: اما الاول: فهو ان الخلاف قد وقع في تقديم قول الزوجة في وقت الولادة ايضا. فمن يقول بعدم تقديم قولها في وقت الولادة، لابد ان يقول بها في اصلها. و المفروض ان تقديم قولها في الاصل وفاقي.

 

و فيه: منع الاجماع فيه ايضا. و استند في الكفاية الي المشهور. و هو لازم كلام المحقق و العلامة في الاستشكال في تقديم قول من يدعي خلاف الاصل في وقت الولادة و الطلاق. كما بيّنّاه. و كذلك صريح الشهيد الثاني(ره) بل هو قال: «ان الاصل قاعدة يرجع اليها في الاحكام الشرعية، بخلاف تقديم قول مدعي الفعل». و كذلك غيرهم ممن اشرنا الي كلامهم.

 

و اما الثاني:‌ فهو من وجهين: الاول: انّ المعتمد في تقديم قول الزوج في دعوي اصل الطلاق، هو الاجماع. و هو غير موجود في الوقت. فالملازمة ممنوعة.

و فيه: انّا لم نقف علي هذا الاجماع و لا علي احد يدعيه. بل و لا علي فتوي صريحة في ذلك و لو سلّمنا، فقليل من كلامهم[26]. و ايضا: لو كان المستند فيه الاجماع لا غير، فلا معني للمقايسة و التنظير حيث قالوا انه يقدم قوله في الوقت كما يقدم[27] في الاصل. سيمّا من صرّح بانه يقدم لانه من فعله. و: كما يقدم قوله في اصله فيقدم في وقته. فان العلّة في تقديم قوله في الاصل، انما هو كونه بيده و من فعله. لا التعبد و الاجماع.

فنقول حينئذ: ان كان هذه العلّة علّة واقعية، فلا ينفكّ عن معلولها. فلا وجه للخلاف و الاشكال في حكم الوقت، لوجود العلة. و ان لم يكن علة، فلا يثبت بها الحكم في الاصل ايضا. فكيف يظهر ثبوته اجماعيّاً؟ بل الظاهر ان القول[28] بتقديم [قوله في] الوقت اولي بالقبول من دعويه في الاصل. و الظاهر ان الكلام يجري في الولادة و وقتها ايضا. و دعوي الاجماع في اصل الولادة، ايضا ممنوعة. كما اشرنا سابقا.

 

و الثاني: انه فرق ما بين الولادة و الطلاق. و ان قولهم «يقدم قولها في وقت الولادة، كما يقدم في اصلها»، و قولهم[29] «يقدم قوله في وقت الطلاق، كما يقدم في اصله»، ليس علي وتيرة واحد[ة]. اذ المعتمد في تقديم قولها في الولادة (مضافا الي كونها من فعلها و قد لا تُعرف الاّ من جهتها)، انّ بها تنقضي العدة. و النص ورد من الشارع ان امر العدّة الي النساء. فلا فرق بين دعوي اصل الولادة لانقضاء العدة (كما اذا ثبت كونها حاملا حين الطلاق، و ادعت الولادة فيها، فتصدَّق[30] فيها، و يُبني عليه عدم جواز الرجوع اليها) و بين دعوي وقتها كما لو ثبت كونها حاملاً قبل الطلاق المعلوم زمانه و ادعت الولادة بعده و ادعي [الزوج] تقدمها عليه[31]، فيقدم قولها. اما لو ادعي التاخر لاسقاط النفقة، فادعت التقدم[32]، فيقدم قوله. لان ادعاء الولادة حينئذ لا مدخلية له في العدة حتي يُصدّق الزوجة. بل يُصدّق الزوج لاصالة التاخر.

و اما الطلاق، فلم يظهر من قولهم انه مصدَّق فيه و يقدم قوله. الا انه يحكم بثبوته من حين اقراره، و تعتدّ الزوجة بعده. كما اشير اليه في رواية السكوني عن جعفر(ع)، عن علي(ع): «في الرجل، يقال له: اَ طلّقت امرئتك، فيقول: نعم. قال: طلّقها حينئذ»[33]. و افتي الشيخ [و] غيره، مطابقا لها. فقال الشيخ: «و لو اقرّ مريض انه طلّقها ثلاثا في حال الصحة، قُبل قوله و حكم بانها بانت منه في حال الصحة. و يكون العدة من حين تكلمه»[34]. فلو حضر الغايب و ادعي انه طلّق زوجته منذ سنين لاسقاط النفقة، و انكرت الطلاق من اصله و طالبت النفقة، فالقول قوله في اصل الطلاق و النفقة اللاحقه. [و القول] قولها في النفقة السابقه. و كذا لو ادعت تاخره، لان النفقة هي حق الزوجة، انما تسقط تبعا لسقوط الزوجية التي هي حق الزوج بالاصالة. و الزوج انما يملك حال الاقرار اسقاطها من حينه، لا فيما سبق. لان السابق قد مضي بما هو عليه. فيكون حينئذ مدعياً سقوط النفقة المحكوم بثبوتها ظاهراً الي زمان الاقرار، مما لا يملكه الان، و تدّعي ثبوتها كما هو مقتضي الاصل. فيقدم قولها.

 

و علي هذا الفرق، فلا منافات بين تقديم قول من يدعي تاخر الطلاق (اذا حصل الاختلاف في وقته) و بين تقديم قول الزوج في اصل الطلاق بالمعني المتقدم، يعني لزوم الحكم بالطلاق حين التكلم و الاقرار به، و كون العدة بعد ذلك الحين. بخلاف امر الولادة. فانه لا يتمّ نفي القول بتقديم قول المرئة في الوقت مطلقا مع القول بتقديم قولها في اصل الولادة بعد جعل مفروض المسئلة ان كلا الدعويين في كلا المقامين في مقام دعوي انقضاء العدة.

 

اقول: و في هذا الحلّ عقدٌ لا ينحلّ. لا يخفي علي من نظر و تاملَ، اما اولاً: فلان نظر من استشكل في المقام، انما هو ردّ كلام[35] من جعل المعيار في المقام هو كون الولادة عن فعل المرئة و الطلاق من فعل الرجل. لا محض كون الولادة كاشفا عن انقضاء ‌العدة. و علي هذا فلا يندفع البحث اصلا. و لا مناص للمحقق و الشهيد الثاني و غيرهما، من عدم الفرق في المسئلتين و لزوم القول بمنع تقديم قول الزوجة في الولادة، و الزوج في اصل الطلاق.

و اما ثانياً: فلان كلام الشهيد الثاني(ره)- بل و غيره ايضا- في الاعتماد علي الاصل دون قول المدعي[36]، صريح في ذلك. و لا يمكن رفع التصريح بامثال ذلك.

و اما ثالثا:‌ فلان قوله «ان القدر الثابت في الطلاق انما هو ثبوته من حين اقراره و لزوم الاعتداد من بعده… الي اخره»، لا فائدة في التمسك به. لاجل رفع البحث. فان غاية الامر ان يكون مراد المستدل من قوله «يقدم قول الزوج في الوقت، لانه من فعله، كما يقدم في الاصل»، انه يقدم قوله في مبدأ العدة من ابتداء زمان يدعي وقوع الطلاق فيه، لانه من فعله. و حينئذ فمفاد الاستشكال و المعارضة، ان الاصل يقتضي عدم تقديم قوله في الطلاق في الجملة. لانه خلاف الاصل. و ان اسقط اعتبار كونه من فعله من البين وجعل تقديم قوله في اصل الطلاق[37]، تعبديّاً. فلا يبقي معني محصّل للتنظير.

و اما رابعاً: فلئن سلّمنا اسقاط اعتبار كونه من فعله، و اغمضنا عن قبح التنظير حينئذ، و جعلناه تعبدياً، فنقول ما وجه هذا التعبد؟ فان قلت انه الاجماع، فقد مرّ الكلام فيه. فان جعلته رواية السكوني و نحوها، فقد عرفت الجواب عنها سابقا، و بيّنّا المراد منها، و رفعنا وجه استدلال المستدل بها علي اصل تقديم قول الزوج في اصل الطلاق؛ و قلنا ان المراد بها بيان ان الاقرار بالطلاق يقوم مقام الصيغة في ثبوت الطلاق، و لا يحتاج الي صيغة اخري اذا لم ينازعه احد. لا انه اذا انكرت الزوجة اصل الطلاق فهو طلاق ايضا. فراجع و لاحظ و تامل.

 

و اما فتوي الشيخ بان العدة من حين التكلم؛ فالظاهر ان المراد به هو المسئلة المشهورة في الاخبار عن العدة اذا لم يحصل العلم بمبدأ الطلاق، او الفوت. فقد افتي الفاضلان و غيرهما بانها تجعل مبدأها حين الاِخبار. لظواهر الاَخبار. و قد حققنا في محله ان الاقوي انها تجعله حين ما حصل العلم بوقوعه فيه جزما. و ان لم يحصل العلم بنفس المبدأ. كما هو صريح رواية الكناني[38]. و علي ذلك ينزل قوله(ع) في رواية السكوني: «قد طلّقها حينئذ». يعني يحكم عليها بكونها مطلّقة حين الاقرار و يكون هذا الحين هو مبدأ العدة. و هذا كله بعد الاغماض من انكار اصل الطلاق و البناء علي موافقتها في ذلك. و الاّ فيرجع فيه الي قاعدة التداعي، و مقتضاها تقديم قول من يدعي مقتضي الاصل و الظاهر، و هو الزوجة في ما نحن فيه.

 

و اما خامسا: فقوله «فالقول قوله في اصل الطلاق و النفقة اللاحقة، و قولها في النفقة السابقة… الخ».

 

فيه: ان مدعي الزوج هو شيئ واحد و هو طلاقه قبل ثلاث[39] سنين مثلا. و تنكرها الزوجة. فاذا كان القول قوله في اصل الطلاق، و المفروض انه ادعاه في بدو ثلاث سنين، و اذا حلف علي ذلك، فيسقط نفقتها ايضا، و النفقة تابعة للطلاق، و لا تدعي الزوجة تاخره، بل تنكر ما يدعيه الزوج. فنقول الاصل عدم الطلاق. فيقدم قولها للاصل و الاستصحاب. فاذا حلفت، فتستحق النفقة السابقة ايضا. و رواية السكوني منزلة علي اخبار الزوج بمطلق الطلاق مع جهالة مبدئه و عدم انكار الزوجة لاصل الطلاق ايضا.

 

و تحقيق المقام: ان قول الزوجة‌ مقدم في انقضاء‌ العدة بالوضع و الحيض، للنّص الصحيح الدال علي ان الحيض و الحمل و العدة الي النساء. و اما انقضائها بالاشهُر،‌ فهو و ان كان مقتضي كونها من جملة ادعاء‌ انقضاء‌ العدة كذلك، و لكن لما يرجع الي الاختلاف في زمان الطلاق، فيجيئ الاشكال من جهة كونه فعل الزوج و هو اعرف به، و من جهة الاصل. و لذلك وقع الخلاف فيه. و اما اصل الطلاق،‌ فالظاهر فيه تقديم قول الزوجة للاصل و الاستصحاب، و عدم ورود نص عليه، و عدم تحقق اجماع فيه.

 

بل نقول ما ورد من النص من الاية و الاخبار، يدل علي تقديم قول الزوجة مطلقا، يعني في الاقرار و الانكار. قال الله عزّوجلّ: «وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ في‏ أَرْحامِهِن»[40] فان ائتمانهنّ في الكتمان، يدل علي قبول قولهنّ. و روي في مجمع البيان عن الصادق(ع) في تفسير الاية؛‌ انه قال: «قد فوّض الله النساء‌ ثلاثة اشياء: الحيض و الطهر و الحمل». و روي الشيخ في الصحيح عن زرارة، عنه(ع) قال: «العدة و الحيض، الي النساء»[41]. و الكليني في الحسن لابراهيم بن هاشم، عن زرارة، عنه(ع) قال: «العدة و الحيض، للنساء اذا ادعت، صُدّقت»[42]. و لم ينقلوا خلافا للحيض في انّها يُقبل قولها بلا يمين ان لم ينازعه احد، و مع اليمين اذا وجد المنازع. الاّ ان الشهيد في اللمعة قرّب عدم قبول غير المعتاد الاّ بشهادة اربع من النساء‌ المطلعات علي باطن امرها، و اسنده الي ظاهر الرّوايات[43].

و الذي وجدناه؛ ما رواه الشيخ عن السكوني بسند قوي، و الصدوق مرسلاً؛ عن علي(ع) قال: «في امرئة ادعت انها حاضت ثلاث حيض في شهر واحد، قال: كلّفوا نسوة من بطانتها انّ‌ حيضها كان فيما مضي علي ما ادعت؛ فان شهدن، صدقت. و الاّ فهي كاذبة»[44]. و حملها الشيخ علي المتهمة. و وجهه واضح. و لا يبعد العمل علي الرواية، لقوة سندها، و عدم تبادر التهمة و غير المعتادة من الاطلاقات.

 

و ان كانت من ذوات الحمل فادعت الوضع؛ فالمشهور ايضا قبول قولها بلا يمين اذا فقد المنازع، و مع اليمين لو وجد. لظاهر الاية و الاخبار المتقدمة. و يلزم[45] تقدم قولها اذا انكرت الوضع و ادعاه، ايضا. للادلّة السابقه، مضافا الي اصالة العدم. و لو ادعت انقضائها بالاشُهر؛ فقد افتي جماعة بعدم قبولها، لو انكره الزوج. لان مرجعه الي الاختلاف في وقت الطلاق. بل يقدم قول الزوج المنكر، لاصالة تاخّر الطلاق. و منه يظهر تقديم قولها لو انعكس الفرض، و ادعت تاخرها.

 

لكن يظهر من كلام بعضهم تقديم قول الزوج و ان ادعي التقدم. و انت خبير بان مقتضي النصوص الدالة علي ان العدة الي النساء‌، تقديم قولها مطلقا. و الظاهر ان دعوي تقدم الطلاق و تاخره، يرجع الي دعوي انقضاء العدة و عدمه. و الظاهر ان المراد من النصوص تفويض امر العدة و الحيض الي النساء، نفياً و اثباتاً، لا اثباتاً‌ فقط. الاّ‌ ان يقال: بعد انصراف ظواهر النصوص الدالّة علي ذلك الي مثل الصورة التي وقع النزاع في تقدم الطلاق و تاخره، فالاصل دليل قوي يجب اتباعه الاّ في صورةٍ اندرجت تحت تلك النصوص. فلذلك اختلف كلماتهم في تقديم قول الزوج في دعوي الانقضاء بالاشهُر، بل بالوضع ايضا، كما عرفت. بل ربما ينقل عن بعض عبارات الشيخ في المبسوط، المخالفة في الحيض ايضا و الاعتماد علي الاصل فيه ايضا.

و الغرض من اطناب الكلام في هذا المقام؛ ان الاعتماد علي كلمات جماعة من الاصحاب الذين قدّ‌موا قول الزوج في وقت الطلاق، لا يجدي في اثبات تقديم قوله في اصل الطلاق، لعدم تمامه بنفسه. فضلا عن ان يتمّ به غيره.

اذا عرفت هذا فنرجع الي كلام التحرير و نقول: يمكن ان يكون مراد العلامة من اصل الطلاق،‌ في دليله، قصد الطلاق من الصيغة، و عدمه. يعني انه كما يقدم قول المطلّق اذا قال زوجتي طالق [لو ادعي] انّي لم اقصد الطلاق (كما هو المشهور) فيقدم قوله علي مكذّبه، و كذا اذا قال قصدت به الطلاق لا الهزال، او اردت طلاق فلانة لا فلانة الاخري. و نحو ذلك. فكذلك يقدم قوله في وقت الطلاق. فلم يحصل القطع بان مراد العلامة من اصل الطلاق، هو صدوره عنه و عدمه. و يؤيده ان صورة الاختلاف التي مفروض المسئلة، انما هي بعد تحقق الطلاق في الجملة. و يمكن ان يكون مراده(ره) ان القول قوله في اصل الطلاق لو انكره، للاصل و لانه من فعله. و هذا وجه قريب. لانّ الغالب في نزاع الزوجين في وقت الطلاق، هو دعوي الزوج تاخره لاجل دعوي عدم انقضاء‌ العدة ليتمكّن من الرجوع. و يقلّ غرامة النفقة و نحو ذلك. فيناسبه ذكر دعويه عدم الطلاق.

و يشهد بذلك كلام الشيخ في المبسوط علي ما نقل عنه؛ فانه قال في موضع منه: «اذا كانت المرئة معتدّة بالشهور، فلا يحتاج الي ان يُرجع الي قولها، الاّ ان يختلفا في وقت الطلاق، فيكون القول قول الزوج. كما لو اختلفا في اصل الطلاق. لان الاصل لا طلاق»[46]. هذا كلامه(ره) و يظهر من كلامه قبل هذه العبارة، انه فرض المسئلة في دعوي الزوج عدم انقضاء العدة. و حينئذ و ان كان يمكن الاستدلال في تقديم قوله، بانه فعله و هو اعرف بفعله و لكنّه اكتفي به لكونه اسلم من الاشكال. و لا ينافي ذلك استدلاله(ره)- في موضع اخر في كتاب العدد منه- لتقدم قول الزوج بان الطلاق من فعله. فاذا اختلفا في وقت فعله، كان القول قوله[47]. مع ان مفروض المسئلة ثمّة ايضا فيما ادعي الزوج تاخر زمان الطلاق. اذ لعلّه من باب المسامحة، اعتماداً علي الاصل لكونه موافقا له.



[1] تحرير الاحكام الشرعية، ج4 ص74 موسسة الامام الصادق(ع).

[2] قواعد الاحكام، ج3 ص134 (الفصل الثاني في الرجعة).

[3] و في النسخة: و اما مع انكار… .

[4] و في النسخة: الزوجة.

[5] و في النسخة: قول.

[6] و في النسخة: و هي.

[7] كشف اللثام، ج8 ص79 (الفرع الاول).

[8] و في النسخة: يصير.

[9] و في النسخة: الافضل.

[10] راجع ايضاح الفوائد، كتاب الفراق، ج3 ص331 ط كوشانپور.

[11] و في النسخة: او الدعوي.

[12] اي: اصالة عدم وقوعه في الواقع، دليل. و صدق لفظ المنكر عليها، دليل آخر. لا انّهما جميعا دليل واحد.

[13] و في النسخة: من رجوع الثاني.

[14] و في النسخة: معتمدة.

[15] تحرير الاحكام الشرعية، ج4 ص155.- و فيه: احتسب، بدلاً عن اعتبر.

[16] و في النسخة: الدلالة.

[17] و في النسخة: مال.

[18] الشرايع، كتاب الطلاق، المقصد الخامس في العدد، الفصل الرابع في الحامل، ج3 ص27 ط دارالتفسير.

[19] المسالك: كتاب الطلاق- في عدّة الحامل، ج2 ص34 ط دارالهدي.

[20] و في النسخة: اطلق.

[21] الشرايع، كتاب النكاح، (الخامس في النفقات) ج2 ص291 ط دارالتفسير.

[22] المسالك: كتاب النكاح، احكام النفقات، ج1 ص472 ط دارالهدي.

[23] المسالك: كتاب النكاح، احكام النفقات، ج1 ص472 ط دارالهدي.

[24] و في النسخة: شرا ئحه.

[25] و في النسخة: و فكيف.

[26] و في النسخة: تقليل من كلامهم.

[27] و في النسخة: تقدم.

[28] و في النسخة: قوله.

[29] و في النسخة: قوله.

[30] و في النسخة: فيصدق.

[31] و في النسخة: و اذا دعي عليه تقدمها عليه.

[32] و في النسخة: المتقدم.

[33] الوسائل كتاب الطلاق، ابواب مقدماته و شرائطه، ب16 ح6.

[34] المبسوط كتاب الطلاق، فصل في طلاق المريض، ج5 ص69 ط مرتضويه.

[35] و في النسخة: الي رد كلام…

[36] و في النسخة: دون قيل المدعي.

[37] و في النسخة: و جعلت تقديم قوله في الاصل الطلاق.

[38] الوسائل، كتاب الطلاق، ابواب العدد، ب26 ح6.

[39] و في النسخة: عثد ثلاث.

[40] الاية، 228، السورة، البقره.

[41] الوسائل، كتاب الطهارة، ابواب الحيض، ب47 ح2.

[42] الوسائل، كتاب الطلاق، ابواب العدد، ب24 ح1.

[43] اللمعة الدمشقية؛ كتاب الطلاق؛ آخر الفصل الثاني- ص209 ط دارالناصر.

[44] الوسائل، كتاب الطّهارة، ابواب الحيض، ب47 ح3.

[45] و في النسخة: و يلزمه.

[46] المبسوط، (كتاب العدد) ج5 ص236. ط المكتبة المرتضوية.

[47] المبسوط، (كتاب العدد) ج5 ص241. ط المكتبة المرتضوية.