کتاب الطلاق: [رسالةٌ في الطلاق] (1)

[رسالةٌ في الطلاق]

مسئله 9:[1] الحمدلله و كفي و الصّلوة علي عباده الّذين اصطفي[2]

اما بعد: فهذه كلمات في تبيين مسئلة وقع التّشاجر فيما بين عصرنا؛ وهي اَنّ الرّجل اذا قال: طلّقت زوجتي. وانكرت الزّوجة طلاقها.

فهل يُسمع اقرار الرّجل علي الزّوجه، بان يترتّب عليه سقوط القسم[3] والنّفقة و امثالهما،‌ بعد قبول اقراره علي نفسه في سقوط تسلطه عليها ام لا[4] ؟-؟

و ظنّي انّه لا ينبغي الاشكال في عدم الاكتفاء به[5] في حقّ الزوجة.

وذهب جماعة من المعاصرين الي سماعه بالنسبة اليها ايضاً. فلنمهّد لبيان ذلك مقدّماتٍ:

الاولي: قد يختلف المعني اللّغوي و العرفيّ العام و عرف الشارع و عرف المتشرّعة و عرف الفقها، و قد يتّحد.

ولابدّ للفقيه ان يميّز بين الاصطلاحات، لئلاّ يشتبه عرف الفقهاء بغيره؛ فانّه قد يكون العرف مختصّاً بهم كما انّهم عرّفوا البئر: «مجمع ماء نابع في الارض و لا يتعدّاها غالباً و لا يخرج عن مسمّاها عرفاً».

و ذلك انّهم لمّا علموا انّ[6] حكم هذا القسم من الماء مخالف لغيره من المياه، و عرّفوا انّ الاخبار الّتي وردت في الحكم الخاص انّما هو في ماء هذا القسم الخاصّ من البئر، لا في مثل بئرالقنوات و العيون، ولا فيما يَستنقع فيه الماء من دون نبع. و وضعوا لبيان حكم هذا القسم من الماء باباً وجعلوا موضوعه «ماء البئر»، و عرّفوا البئر بما ذكر لئلاّ تشتبه احكام المسئلة.

و لا يستلزم ذلك كون البئر هذا في اصطلاح الشّارع ولا المتشرّعة، فضلاً عن العرف و اللّغة. و كذلك الكلام في الحيض و النّفاس و نحوهما.

فحينئذ نقول: لفظ «الاقرار» و ان كان في اللّغة بمعني «الاثبات» و افادة القرار للشّيئ، ولكنّه في عرف الفقهاء عبارة عن: «اخبار جازم بحقّ لازم او بحقّ سابق». و زاد بعضهم كلمة «للمخبر» يعني بثبوت حق لغيره عليه، او سقوط حقّ له عن الغير. و زيادة لفظ «للمخبر» لئلاّ ينتقض طرده بالشهادة، كما صرّح به في المسالك[7]. فانّه لولاه لصدق التعريف علي الشهادة ايضاً.

و بالجملة: فالتعريف قبل ذلك القيد تفيد الاخبار عن تضرّر احد، سواء كان المتضرّر هو المخبر او غيره؛ فزاد بعضهم هذا اللّفظ لتخصّص التضرّر بالمخبر. فالاخبار عن لزوم حق للمخبر علي الغيرلا يدخل في التّعريف و لا يمكن ارادة ذلك من هذا اللّفظ، لانّه يستلزم اخراج الاقرار الحقيقي عن الحدّ، او ارادة النّفع والضّرر كليهما من «الّلام»[8]. فتعيّن ارادة ما ذكرنا لا غير. و موضوع كتاب الاقرار هو هذا المعني.

و لعلّ من ترك هذا القيد، ايضاً مراده ذلك و اعتمد علي ظهوره من ساير عباراتهم و تمثيلاتهم له بعد ذكر التّعريف بحيث يظهر منها انّه جزء التّعريف، و مّما يدلّ علي ذلك، استدلالهم لاصل الاقرار (بعد ذكر تعريفه بما ذكرنا) بالعقل و النّقل امّا العقل فهو انّ العاقل لا يكذب علي نفسه بما يضرّه. و امّا النّقل فهو آيات كثيرة منها قوله تعالي: «كُونُوا قَوَّامينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلى‏ أَنْفُسِكُم»[9]. قالوا: قال المفسّرون: شهادة المرء علي نفسه، اقراره.

و الاَخبار الكثيرة مثل قوله(ع): قولوا الحقّ و لو علي انفسكم[10]. و كلّما ورد في تضاعيف الفقه من الاخبار الاماميّة مثل اجراء الحدّ بسبب الاقرار بالزّناء و نحو ذلك.

و ممّا يشهد بما ذكرنا انّهم جعلوا اركانه اربعة: الصّيغة و المقرّ و المقرّ له و المقرّبه. و صّرحوا في مقام بيان الصّيغة بانّه: اللفظ المتضمّن للاخبار عن حقّ واجب. و كلّما ذكروه من الامثلة دالّة علي الاخبار عن [ثبوت][11] حقّ سابق علي الخبر، او سقوط حقّه عن الغير، مثل: لَه عليّ كذا. او [لَه] عندي كذا. او مثل ذلك.

و ممّا يشهد بذلك ما ذكره في المسالك في مسئلة «اقرار الصّبيّ بالبلوغ»، فانّه قال: و في الحقيقة دعوي الصّبي البلوغ بالاحتلام و غيره، او مطلقا، ليس اقراراً. لانّ الاقرار اخبار عن ثبوت حقّ عليه للغير و نفس البلوغ ليس كذلك. لهذا يطالب مدّعي البلوغ بالسّنّ، البيّنة[12].. الي آخر ما ذكره.

و الحاصل: انّ الاقرار في عرف الفقهاء حقيقة فيما ذكرنا.

نعم: قد يطلقون علي ما هو اقرار علي الغير، من باب المشاكلة؛ فيقولون: هذا اقرار علي الغير وهو غير مسموع.

و هذا لا يوجب[13] صيرورته[14] حقيقة في الاعمّ، بل الاستعمال اعم من الحقيقة[15].

نعم: ربما يظهر الاشكال من المحقق الاردبيلي(ره) في الاقرار المطلق و منع كون سبقة الحق داخلاً في مفهومه شرعاً، مويّداً باطلاقه علي الاعمّ، و انّ ذلك اصطلاح الاصحاب. ثمّ ردّه باصالة ‌البرائة عن لزومه، و عدم وجوب الوفاء بالوعد (علي ما يظهر من الاصحاب) وان كان ظاهر بعض الايات و الاخبار، الوجوب. ثمّ استشكل في كونه وعداً ايضاً. و كذلك في دخوله تحت عموم «المسلمون عند شروطهم». و لم نقف علي من قال بكون الاِخبار عن ثبوت حقّ للمخبر علي الغير، اقراراً حقيقة. و ظنّي انّ‌ هذا المطلب ممّا لا يحتاج الي بسط و استدلال فانّه غير خفيّ علي المطّلع.

بل يمكن ادعاء الحقيقة العرفيّة فيه ايضاً، بل اللّغويّة، قال الجوهري في «الصّحاح»: اقرّ بالحقّ، اعترف به. و قال في باب الفاء: الاعتراف بالذّنب، الاقرار به. و لا ينافيه ما نقل عن القاموس من انّه الاذعان للحقّ.

الثانية: انّ ما قرع سمعك من لزوم حمل اقوال و افعال المسلمين علي الصّحّة، يحتاج معرفة حقيقة ذلك الي تفصيل و تنقيح؛ و هو انّ المراد منه كل فعل او قول يحتمل صدوره عن المسلم عن وجه صحيح و عن وجه فاسد، فينبغي ان يحمل علي الوجه الصّحيح ما لم يزاحمه قول مسلم اخر، او فعله، او كلاهما، او لزوم اشتغال ذمّةٍ،‌ او برائةٍ،‌ او نحو ذلك. والاّ فلابدّ من المراجعة الي القوانين الممهّدة لذلك. ولذلك اذا رأينا مسلماً يدّعي ما في يد مسلم اخر،‌ فان صدّقنا المدّعي لابدّ ان نكذّب المدّعي عليه و هو ايضاً مسلم و يقول بانّه مالي. و تعارض القولين و ان كان يوجب التساقط، ولكن لمّا كان قول المدّعي عليه معتضداً‌ بفعله و يده فكان اقوي. فلذلك نكلّف المدّعي بالبيّنة التي هي اصعب و المدّعي عليه باليمين الّتي هي اسهل.

وكذلك الكلام اذا ادّعي عليه مالاً في ذمّته؛ فانّه يعارضه قول المسلم في انكار ذلك مع اعتضاده بعدم اشتغال الذّمة و اصالة‌ البرائة. فالقول في مقابل القول، و الفعل و اصالة ‌البرائة‌ في مقابل البيّنة.

و امّا الخبر: فيُكتفي فيه بالصّحّة ‌و الوثوق، لانّه لا يُثبت حقّاً‌ علي مسلم خاص. لانّ الخبر هو ما كان مفهومه عاماً،‌ بخلاف الشّهادة. فالشّهادة لمّا كانت مثبتة للحق علي شخص خاص فلابدّ‌ فيها من قوّة زايدة. و لذلك اعتبر فيها التّعدد مع العدالة، حتي يرفع قوة قول المسلم و فعله و برائة ذمّته. و امّا الخبر فلا يتصدي الا لاثبات حكم لمطلق المكلّفين كقوله(ع): «الشفعة في كلّ امر مقسوم»[16].

فيُكتفي فيه بصحّة الخبر او حصول الظّنّ به، كما هو المختار[17].

و امّا الاقرار:‌ فلمّا كان هو قول المسلم، لا يزاحمه غيره. لانّه في الحقيقة‌ اقرار علي النفس، كمامرّ بيانه. و مع ذلك فمعتضد بملاحظة انّ العاقل لا يكذب علي نفسه في ما يضرّه. فهو مسموع لمقتضي اصالة صدق قول المسلم.

فالاقرار في مقابل الدّعوي،‌ فانّه اخبار بضرر النّفس. و هي اخبار بضرر الغير.

و قد يطلق الاقرار [علي قبول] الدّعوي،‌ ولا ريب انّه ايضاً من باب المشاكله. و لذلك تريهم يقولون: جواب المدّعي اِمّا انكار او اقرار، او سكوت.

الثالثة: الاقرار قد يكون بلفظ صريح فيه][18] يدلّ عليه مطابقة، كقوله: له في ذمّتي درهم. او ظاهرٍ كقوله: له عليّ درهم.

و قد يكون بلفظ يدلّ عليه تضمّناً‌، او التزاماً، مثل ان يقول له:‌ اليس عليك كذا؟ فقال: اقبضتُك، او وهبتَه، او بعتَه، فيصير مقرّا و ينقلب مدّعيا.

فقد يكون شيئ في صورة الدّعوي، فيكون اقراراً من وجه، او يصير اقراراً من جهة. و كذلك قد يكون شهادة و تستلزم الاقرار من وجه، او يصير اقراراً في زمان اخر. و هكذا.. و لذلك قد تراهم يطلقون الاقرار علي الشّهادة، او الدّعوي. فلنذكر بعض هذه المواضع:

قال العلاّمة في القواعد: و لو اقرّ بحرّيّة عبد في يد غيره، لم يُقبل. فان اشتراه، صحّ، تعويلاً‌ علي قول صاحب اليد. و الاقرب انّه فداءٌ في طرفه، بيع في طرف البايع. فلا يثبت فيه خيار المجلس و الشرط و الحيوان بالنّسبة الي المشتري، كما لا يثبت في بيع من ينعتق علي المشتري[19].

و قال فخرالمحقّقين في شرحه: الشهادة علي الغير بعين في ملكه، يكون اقراراً من الشاهد من وجه؛ بمعني انّه لو لم ينفذ شهادته و حصل يوماً من الدهر في يده بحيث لولا الشهادة لكان ملكه، تمحّضت تلك الصّيغة للاقرار، و حكم عليه بمقتضاها. فلو قال: انّ زيدا اعتق عبده غانماً، لم يحكم بحرّيّته في الحال بمجرّد قوله. فلو اقدم علي شرائه قال الشيخ في المبسوط يصحّ الشّراء. و الظاهر انّه يريد في الظّاهر.

الي ان قال: و قال قوم انّه ليس بشراء، بل افتداء. لانّ‌ البيع عقد مركب من جزئين؛ ايجاب و قبول، و صحّته بصحتهما و فساده بفساد احدهما. و القبول غير صحيح بالنّسبة الي البيع لاعتراف المشتري بحرّيّته و امتناع شراء‌ الحرّ. و التّحقيق ما قاله المصنّف و هو انّه يجتمع[20] فيه المعنيان جميعاً؛ فهو بيع من جهة البايع لا محالة. و فداء و استيفاء[21] من جهة المشتري. للحكم علي كل باقراره عملاً بعموم الخبر. انتهي[22].

بل الشيئ الواحد قد يكون قابلاً لكونه اقراراً علي نفس المخبر و علي غيره باختلاف الاحوال،‌ مثلاً:‌ الطّلاق ماهيّته مشتملة علي امور: مثل قطع سلطنة الزّوج علي الزّوجة، و مثل سقوط حق القسم و النفقة، و نحو ذلك. فالاقرار بالطلاق من الجهة‌ الاولي، مرّةً [يكون] اقراراً حقيقياً[23]؛ كما لو كان قطع السلطنة مبغوضاً له حين الاقرار و تكون المواصلة محبوباً له. و كذلك في جانب المرئة فاذا كان المفارقة مطلوبة للزوجة و تكون راضية بترك القسم و النفقة و يكون الزوج مكرهاً للطلاق، فربما تدّعي هي الطلاق. فاذا اقرّ الزوج بالطلاق فحينئذ يكون اقراراً‌ علي نفسه، لا علي الزّوجة. و اذا كان الزّوج راغباً‌ الي الفراق، و الزوجة مكرهة فليس ذلك اقرار[اً] علي نفسه من جهة قطع السلطنة.

و كذلك الاقرار بالرّجعة في العدّة؛ قد يختلف الحال فيه بالنّسبة الي حال الزوجين؛ فقد يصير دعوي الرجوع اقراراً علي النفس، و قد يكون علي الغير، فيختلف الحكم باختلاف الموارد. فيظهر من جميع ذلك انّ مثل الطلاق و الرجعة،‌ ممّا [قد] يكون امره بيد شخص واحد فقط، و [قد] يكون مركباً من امور قد يختلف ثبوت مقتضاها بالنّسبة الي الزوجين؛ فيكون اقراراً علي النّفس من جهة فيُسمع، و اقراراً علي الغير من [جهة] اخري، فلايُسمع. و الجهتان ايضاً‌ قد يتعاكسان كما مرّ.

قال الشيخ في المبسوط في كتاب الرّجعة في مسئلة ما لو اختلفا فقال الزوج: طلّقتك في شوال. و قالت: لا بل طلّقتني في رمضان. فالقول قوله مع يمينه. لانّ الاصل عدم الطلاق. و ان كانت بالعكس من هذا؛ فقال الزوج: طلّقتك في رمضان. و قالت: لا بل في شوّال. فالقول قولها، لانّه يطول[24] علي نفسها العدّة غير انّه تسقط النّفقة من الزوج فيما زاد علي ما [اقرّ به][25]،‌ الاّ ان [تقيم][26] بيّنة،‌ كما اذا اختلفا فقال الزوج: طلّقتك قبل الدخول. و قالت: بعد الدخول. فانّا نقبل قول الزّوج في سقوط نصف المهر، و نقبل قول الزّوجة في وجوب العدّة، لانّه يضرّبها[27].

و مثله كلام ابن البرّاج و غيره علي ما نُقل عنهم.

فان قلت: انّا و ان سلّمنا انّ التّسمية بالاقرار علي النفس و علي الغير يختلف باختلاف الحيثيات، فانّ الاِخبار عن سقوط التسلّط [علي الزّوجة، مثلاً اقرار علي النفس. و الاِخبار عن سقوط حقها من النفقة، اقرار علي الغير. و كذا الكلام في اللّفظ الدالّ علي ذلك الاخبار. فاذا اخبر عن المطلبين بانّ[28] سلطنتي][29] قد انقطعت عنها و[30] بانّ حقّها قد سقط عنّي، فلا ريب في انّ الاول اقرار علي النّفس و الثاني اقرار علي الغير.

و اما لو اخبر عن ذلك بقوله: انّي طلّقتها في العام السابق. فلا نسلّم دلالته الاّ علي سقوط سلطنته عنه. اذ ليس معني هذا الكلام بالدّلالة الاصليّة المقصودة‌ بالذات الاّ ذلك؛ لانّ معني الطّلاق و مهيّته انّما هو اسقاط السلطنة‌ عليها.

و دلالتها علي [سقوط حقّها عنه من باب الدّلالة الطبعيّة بدلالة‌ الاشارة. فلا يدلّ هذا اللفظ علي الاقرار علي الغير بالدلالة‌ الاصليّة.

و اما ما ذكرت من كون الاقرار بحريّة عبد الغير][31] اقراراً علي النّفس، فهو انّما يسمّي اقراراً علي النفس باعتبار[32] زمان تملّكه للعبد بعد ذلك و صيرورة امره اليه في الزّمان المتأخر عن صدور هذا اللفظ عنه. و ما اشبه ذلك كاحكام الصّبيّ الجارية عليه بعد البلوغ باعتبار الاسباب الحاصلة قبله، كوجوب الوضوء للحدث السابق علي البلوغ.

و لمّا كان حقيقة الاقرار علي النفس هو الاِخبار بثبوت حق الغير عليه، او سقوط حق له علي الغير، و كان الطلاق و ماهيّته الاصلية هو ازالة قيد النكاح و قطع سلطنته علي الزوجة الثابتة بالنكاح و كان امره[33] اليه بعد وقوع النكاح، فكان الاخبار بوقوعه اذا صدر عن الزوج اقراراً و عن الزوجة ادعاءً. و لا يلاحظ التوابع و اللّوازم الخارجة من المهيّة.

فالطلاق و الاخبار به، كالعتق و الاخبار به. و اذا كانا معاً من الايقاعات و امرهما الي واحد (و مقتضي الاول فكّ ملكية البضع، و الثاني فكّ ملكية الرقبة) فلا يلاحظ[34] الحقوق الثابتة مع بقاء الملكية علي الزوج و المولي حتّي يصير الاقرار بزوالها اقراراً علي الغير.

و امّا ما ذكرت اخيراً من مدخليّة الحبّ و الكراهة في التسمية‌ بالاقرار و الدعوي، فلا دخل لهما، و لذا لم يؤخذ في احدهما.

قلت: لا يجدي ما ذكرته في بيان ما رمته، و لا يضرّنا اصلاً. اذ غاية ذلك اَنّه بالاخبار عن الطلاق لا يُثبت حقّاً للزوجة لاجل النفقة مثلاً. لا اَنّه يُثبت عدمها.

و نحن ايضاً لا نقول بانّ الاقرار بالطلاق بالنّسبة الي النفقة ينفعنا، بل نقول اَنّه لا يضرّنا. و اما ثبوت النفقة فهو حاصل بثبوت الزوجية السابقة المسلّمة. بل المدلول عليها ضمناً بالاقرار بالطلاق ايضاً. و انت ايضاً اعترفت بانّه لا يلاحظ هذا علي ما من شأنه الضّرر، يعني انّ اقرار العاقل بما من شأنه الضّرر علي النّفس لو حكم به الشارع، محكوم بانّه لازم.

ثمّ: لا يخفي الفرق بين «فلان اَقَرَّ علي نفسه» و «شهد علي نفسه» و «اَشْهِد علي نفسك» و «قل علي نفسك» و «اَقِرّ علي نفسك»، و بين قولهم «اقرار العاقل علي نفسه جايز». لانّ الاول اِمّا اخبار عن وقوع نوع من الاقرار علي المعني الاعم، او امرٌ بنوع منه. و الثّاني بيان الحكم لنوع خاص منه. فمعني «اقرار العاقل علي نفسه لازم» انّ هذا النوع من الاقرار الموصوف بكونه علي النفس، حكمه اللزوم. فيصير الظرف مستقراً[35] جزماً،‌ لانّه بمنزلة الصّفة او الحال، و متعلقه عام؛ يعني اقرار العاقل الحاصل في ضمن كونه علي النفس، حكمه اللزوم. بخلاف الصّور السابقة؛ فانّه لا يتصوّر فيها[36] معني الوصفيّة او الحاليّة او الخبريّة[37]. فلا يمكن كونه ظرفاً مستقراً. و ظنّي انّ هذا واضحٌ لا يخفي علي من تامّل فيه ادني تامل.

فاذا تأمّلت فيما ذكرنا بنظر ثاقب و فكر صائب، علمت انّه لا يمكن الجمع بين الاستدلال بهذه الروّايه مع الاية و الرّواية الاخري (خالياً عن كل عيب عدا البُعد اللفظي)‌ الاّ علي اول الوجهين اللّذين ذكرنا هما.

ثمّ علي الوجه الاخر و ان كان اقرب لفظاً. و امّا جعل الظّرف لغواً متعلقاً بـ «الاقرار» فلا يصحّ بوجه.

هذا كلّه مع انّه يتمّ مطلوبنا علي هذا الوجه ايضاً، فانّا وان نمنع حجّية مفهوم الوصف او اللقب، ولكن قرينة المقام يفيد ذلك كما اشرنا.

لايقال: انّ الاستدلال بالاية والرواية المساوقة لها، ليس لاثبات اللزوم، بل انّما هو لاثبات المشروعية، كما صرّح به في الدروس و غيره.

لانّا نقول: لا معني لتصدّي الفقيه للاستدلال علي انّ الاقرار و قول الحق، هل هو جايز و مشروع ام لا. لكون حسن الصّدق و بيان الواقع، من البديهيّات الاوليّة. بل المراد من الشرعية هو الاعتبار و الصّحّه اَعني ترتّب الاثر. كما عبّربهما في التذكرة و غيرها.

 

و الحاصل:‌ انّ ثبوت مال الغير في ذمّة احد في نفس الامر، موجب لوجوب الرّد في نفس الامر. فاذا ثبت ذلك بعلم الحاكم او البيّنة[38]، فيحكم بوجوب الرّد ظاهراً ايضاً[39].

 

و امّا انّه هل يحكم بوجوب الرّد بسبب الاقرار و ان لم يكشف عن نفس الامر، ام لا؟-؟ و هل يترتب حكم وجوب الرّد علي هذا مثل ما يترتب علي العلم و البيّنة، ام لا؟-؟ فهذا هو الذي بيانه شأن الفقيه. و لذلك ذكر العلاّمة في التذكرة (بعد الآية[40] و الرّواية) الاحاديث التي دلّت علي ترتّب الحكم؛ مثل حكاية امر النبيّ(ص) بالرّجم بعد اقرار ماعز [بن مالك] بالزّناء. و ما في معناها، فلاحظ.

 

لا يقال: انّ من اقرّ بكون ما في يده خاصة مغصوباً من زيد، يحكم عليه و علي كل ما تعاقبه من الايدي(مثل الودعي و الوصي و الوارث) بوجوب الرّد. فلا اختصاص لنفسه به، و يسقط به كل حق مالي يتوجه اليه مثل نفقة واجب النفقة و حق الغريم.

 

و اذا اقرّ المولي بعتق عبده المدّعيِ للعتق، نفذ في حقهما و في حق الوصي و الوارث. و اذا اقرّ الاب بنكاح الصغير، نفذ في حق الجد، كعكسه. و اذا اقرّ ذوالحق بوصول حقه اليه، نفذ في حقه و في حق من عليه الحق فيسقط عنه تكليف الوفاء. الاّ ان يُعلم عدمه. و ربما لا يجوز له الوفاء اذا صادمه حق آخر يجب وفائه. و كذا ساير الاقارير.

لانّا نقول: يد الودعي و الوصي، هو يد المقرّ و ليس مغايراً له. اذ تصرفهما في المال ليس الاّ باذنه و بملاحظة يده، و لا يتصوّر ضررٌ عليهما باقراره.

 

فان قلت: انّ وجوب الرّد تكليف و ضررٌ، سيّما اذا اقتضي تعباً و مشقة، و سيّما اذا تلف بما يوجب الضّمان و وجب الرّد عوضه.

 



[1] يادآوري مي شود كه مرحوم ميرزا(ره) براي مسائل كتابش شماره گذاري نكرده و همة شماره ها در تصحيح آمده اند. البته اين مسئله را به عنوان يك رساله تدوين كرده است كه يك بحث مشروح و مفصل است. در آغاز عنوان رساله را نياورده و لذا عنوان «رسالة في الطلاق» را آوردم كه در پيشاني صفحات بعدي آورده است.

[2] اين تعبير، درست است كه با حمد و ثنا و نيز تصريح به نام پيامبر(ص) و اهل بيت(ع) به صورت رايج آن، فرق دارد ليكن شامل همه انبياء و اهل بيت(ع) مي شود.

[3] القسم: تقسيم «الليالي» بين الزّوجات.

[4] هنا مسئلتان: الاول: هل يسقط حقوق الرجل (الزوج) بقبول اقراره مع انكار الزّوجة، ام لا؟-؟

الثّاني: هل يسقط حقوق الزوجة بقبول اقرار الرّجل مع انكار الزّوجة، ام لا؟-؟ 

فبدء المصنف(ره) اولاً بالمسئلة الثانيه و فرّع عليها المسئلة الاول في خلالها.

[5] به: اي باقرار الزوج.

[6] وفي النسخة: الاّ.

[7] الشهيد الثّاني(ره): مسالك الافهام- اول كتاب الاقرار، التّعليقه الثانيه.

[8] اي من حرف لام الملصق بـ «للمخبر»- و في النسخة: من الاوم.

[9] نساء، 135.

[10] تحف العقول، ص149- بحار، ج30 ص414.

[11] وفي النسخة: سقوط.

[12] المسالك (كتاب الاقرار) ج2 ص141 ط دارالهدي.

[13] و في النسخة: لايجب.

[14] و في النسخة: ضيرورته.

[15] محل الكلام هو «اصطلاح الفقهاء»- هل استعمالهم لفظ «الاقرار» في «الاقرار علي الغير» يدلّ علي انّ الاقرار في اصطلاحهم حقيقةٌ في الاعم من الاقرار علي نفسه و الاقرار علي غيره؟ او الاقرار حقيقة في الاقرار علي نفسه، و استعمالهم فيما علي غيره، استعمال اعم من الحقيقة و غير الحقيقة-؟ يختار المصنف قدس سره،‌ الثاني.

[16] ما وجدت حديثاً بهذا اللفظ و لكن بلفظ «الشفعة في كل مشترك» و «الشفعة في ما لم يقسم» مستدرك الوسائل، ج17 ص97 و99.- «الشفعة في كل شيئ» ص101.

[17] و مما انفرد به المصنف(ره)، حجية الظن مطلقا، لا الظن الخاص فقط.

[18] مابين العلامتين مضبوط في هامش النّسخة.

[19] ايضاح الفوائد في شرح اشكالات القواعد، ج2 ص437. طبع كوشانپور- و فيه «يعتق علي المشتري» بدل «ينعتق علي المشتري». و ما في النّسخة،‌ اصحّ.

[20] و في النسخة: «و هو انّه لا يجتمع». و الصحيح ما في طبع كوشانپور.

[21] و في طبع كوشانپور: «استنقاذ».

[22] ايضاح الفوائد في شرح اشكالات القواعد، طبع كوشانپور، ج2 ص437- 438.

[23] اي قد يكون اقراراً حقيقياً.

[24] والصحيح: تطوّل- كما في المبسوط.

[25] و في النسخة: ما يريد.

[26] و في النسخة: يقيم.

[27] المبسوط، كتاب الرّجعه، ج5 ص102 طبع مكتبة المرتضويه.

[28] و في النسخة: بقوله.

[29] مابين العلامتين، نقلناه من هامش النسخة الي المتن.

[30] و في النسخة:‌ او.

[31] نقلنا ما بين العلامتين من الهامش.

[32] و في النّسخة: و اعتبار.

[33] اي امر الطلاق.

[34] و في النسخة: و لا يلاحظ.

[35] يحتمل: مستتراً.- كما اظهر الظرف المستتر بعد جملتين بقوله: في ضمن كونه.- و هكذا تكرار هذا اللفظ بعد سطرين- لكنّ ما في المتن اظهر، لدلالة قوله «جعل الظرف لغواً».

[36] و في النسخة: فيه.

[37] و في النسخة: الخبيرته.

[38]  و في النسخة: البنيته.

[39]  اي كما يحكم به في نفس الامر.

[40] و في النسخة: بعد الامر.