كتاب الطلاق: مسائل الطلاق من المجلد الثالث (4)

نعم هنا كلام اخر: و هو انه هل يستقر بمحض ذلك زوجية عمرو، و للزوجة هنا ايضا حق. و يتحقق صورة دعوي[1] هو معها ايضا؟ الظاهر، نعم. و لا يصير تحليف زيد عمرواً، موجباً لسقوط حق الزوجة. و ان اقرّت بالزوجية السابقة[2] لعمرو، و بانّ سبب زوجيّتها لزيد انما هو طلاقه بادعاء الوكالة لعمرو. فيصير الدعوي مثل السابق، و الزوجة مدعية و عمرو مدعي عليه. و اما لو قالت الزوجة «انا لست بزوجة عمرو» و اجابت[3] بالاعم اذا علمت بوقوع نكاح زيد علي الوجه الصحيح لكن اتت[4] بالجواب الاعم خوفا من العجز عن الاثبات.

فحينئذ يكون عمرو مدعيا. و بيّنته ان كانت علي الزوجية السابقة، فلا ينفعه. لانّ الزوجة ذات اليد علي بضعها، و الاظهر عدم معارضة البينة علي السابق، اليد الحالية. بل لابدّ ان يشهد ان الزوجة الحال زوجة عمرو. فيتوجه الحلف مع العجز عن البينة الي الزوجة. فاذا حلفت[5] فينقطع زوجية زيد في ظاهر الحكم الشرعي و لكن لا يثبت زوجية عمرو ايضا. فلا يجوز للزوجة ان يتزوج بغير زيد، لا عترافها[6] بصحة عقده و ليست زوجة عمرو ايضا. لانّها تنكرها و حلفت عليه.

و هل يجوز لها المعاشرة مع زيد في الخلوة علي سبيل الزوجية؟ لا يبعد جوازها للزوجة، دون زيد. لانّ القسم اسقط حقه في الدنيا ظاهراً و باطناً و ان بقي في الاخرة. و مثل ذلك في [الـ]احكام الشرعية كثير، فقد يثبت الحكم لاحد المتعاقدين دون الاخر.

 

و يمكن ان يقال: غاية الامر سقوط حق زيد بسبب القسم عن الزوجة، و لكنّه لم يثبت سقوط حق الزوجة فلو طالبته النفقة و المواقعة و المضاجعة في الخلوة، فلا حرج عليها[7]. لعدم سقوط حقها. و لكن يرد عليه انّ مع[8] سقوط حق الزوج، لا يمكن استيفاء الحق، الاّ باجبار الزوجة ايّاه مثل المضاجعة و المواقعة[9].

 

الاّ ان يقال: غاية الامر اسقاط حقه عن الزوجة بالنسبة الي عمرو، لا مطلقا لجواز اختلاف الحيثيات. و يظهر الثمرة [في] جواز مخالفة عمرو لو اطلع عليه، مطلقا.

و هنا كلام اخر: و هو انّ ما ذُكر[10] من انّ القسم مسقط للحق مطلقا، [فهو] في صورة عدم ظهور البيّنة بعده، بلاخلاف. و بعد ظهور البيّنة ايضاً علي اظهر الاقوال و اشهرها. [لكنه] هل هو مختص بالاموال، او شامل للنكاح و غيره ايضا؟-؟ و هل يختصّ بدعوي الدين؟ او يشمل دعوي العين ايضا-؟

 

فنقول: ظاهر بعض الاخبار شموله للعين ايضا و ان كان بعضها ظاهراً في الدين. و الاظهر عدم الفرق. و لم اقف علي احد تعرّض للفرق في الدين و العين، لا المال و النكاح. بل قد صرّح في مسئلة الدعوي علي الميت بعض الفقهاء بعدم الفرق بين العين و الدين. و انّ لفظه عليه [السلام] في الرّواية الواردة في حكم الدعوي علي الميت، شامل للعين ايضا.

فلا يحصل الاشكال في هذا المقام بانّ‌[11] المدعي به، نكاح لا مال، و ان الزوجة عين لا دين[12].

 

 

ثم: و هل يجوز ان يتزوج هذه الزوجة بزيد ثانيا بعقد جديد،‌ ام لا؟-؟ فيه اشكال، من جهة انه بسبب تحليف عمرو، حكم بانّها كانت في حال العقد، زوجة عمرو، و نكح [زيد] ذات البعل و دخل بها. فيحكم بظاهر الشرع انّها حرام عليه موبّداً. و من جهة ان ادلّة الحرمة الموبّدة في نكاح ذات البعل لا تنصرف الي مثل هذا القسم من نكاح ذات البعل. بل انّما يتبادر منها نكاح ذات البعل في نفس الامر. لا التي حكم بكونها ذات البعل في ظاهر الشرع.

 

و اظهر ادلّتها فيما نحن فيه، موثقة اديم بن الحرّ؛ قال: «قال ابو عبدالله عليه السلام: التي تتزوج و لها زوج، يفرّق بينهما، ثم لا يتعاودان ابداً»[13]. و دلالتها ممنوعة فان الظاهر من قوله عليه السلام: «تتزوج و لها زوج» انّها في حال العقد لها زوج في نفس الامر و تتزوج. غاية الامر ان يدخل فيه مَن حكم بكونها ذات البعل في ظاهر الشرع حين العقد ايضا. و المفروض انّ فيما نحن فيه، [حُكم بانّ] الزوجية[14] الواقعية ثابتة للزوجة، ولا حُكم في ظاهر الشرع بكونها ذات بعل في حال العقد. فعمومات جواز النكاح باقية علي حالها.

فان قلت: انّها في الحال بسبب حلف عمرو، محكوم بزوجيّتها لعمرو، و هي الحال ذات بعل و لا يجوز نكاحها.

قلت: ان ذلك معارض بعنوان القلب بانّ[15] الزوجة بسبب حلفها محكومة بعدم زوجيّتها لعمرو ايضا. فليس نكاحها نكاحاً بذات البعل. و بعد تعارض الجانبين و تساقطهما، ينفي الاصل. و العمومات سالمة علي حالها، فيجوز نكاحها لزيد بنكاح جديد.

الا ان يقال بامكان الجمع؛ بان يكون التزوج جايزاً للزوجة دون زيد. و يظهر الثمرة اذا اتفق المزاوجة في حال لا يعرف الزوجة، بان يصير الزوج اعمي مثلا، و لم يعرفها بوجه اخر غير الرؤيه ايضا. فتامّل. فالعمدة ما ذكرنا من عدم انصراف الادلّة الي مثل ذلك. والله العالم بحقائق احكامه.



[1] و في النسخة: الدعوي.

[2] و في النسخة: و ان اقرّت زيداً بالزوجيه السابقة.

[3] و في النسخة: اجاب.

[4] و في النسخة: بانت.

[5] و في النسخة: حلف.

[6] اين اعترافها؟ و المفروض انّها اجابت بالاعم و ما قالت «انا زوجة زيد و لست زوجة عمرو». كما صرح به المصنف قدس سره. نعم هي معترفة عملا و بفعلها و بفعالها طول زمان حياتها و معاشها مع زيد.

فاذا اعترف المصنف انّها اعترفت (اي قررّت و اقرت بزوجية زيد اقراراً ضمنياً) بفعالها عملاً، فلما ذا لم يكن سكوت عمرو طول نفس الزمان تقريراً و اقراراً؟!

و امّا اليد: فما الفرق بين كون يد زيد علي البضع و بين كون يد الزوجة علي البضع؟ في مقابل يد زيد، اصالة عدم الوكالة. و في مقابل يد الزوجة، اصالة بقاء زوجية عمرو، مضافاً الي اقتضاء الحكم الفاصل للدعوي، زوجيته. فاي اليدين اقوي مقاومةً في مقابل الاصل؟ (نعم هناك فرق سنبيّنه). فمعلوم انّ يد زيد اقوي لانّ يد الزوجة مشوبة بالزوجية السابقة لعمرو، و معارضة بمقتضي الحكم ايضا. لكن يد زيد لا ريب ولا شوب فيها. فيد زيد علي الزوجة اقوي من يد الزوجة علي نفسها. فالمصنف(ره) يجعل القوي ضعيفا، و الضعيف قويا.

فيد زيد احدي الادلّة القاطعة للاصل، و تقرير عمرو العملي دليل اخر، و اقراره العملي دليل ثالث، و امضائه العملي دليل رابع و مجموع الادلة قاطع لاصالة عدم التوكيل، لولا ان الواحدة منها تكفي في القطع. مع انّه قلنا: هناك امضائات و تقريرات و اقرارات بعدد ايام الزمان الطويل بل بعدد ساعاته.

و المصنف(ره) يري هذه الادلة خارجة عن الدعوي و لذا يسمّيها قرائن جزئية و لا يعطيها اثراً.

و اما الخروج: كون امر خارجا‌ً عن الدعوي، علي قسمين:

   1- خروجه عن اصل الدعوي: فكل دليل كذلك. لانه معلوم انّ الدعوي امرٌ، و الدليل امر اخر في اطراف الدعوي. و الاّ فيلزم اتحاد الدليل و المدلول.

2- كون الدليل خارجاً عن اصل الدعوي و عن اطرافها معاً: و مراد المصنف كون الادلّة المذكورة من هذا القبيل.

فنقول: هذا القسم ايضا علي ضربين:

الف: اذا كان الخارج حجة: كالبينة. فان البينة خارج عن اصل الدعوي و اطراف الدعوي. لكن الشارع جعل البينة دليل الفصل للدعوي.

ب: اذا كان الخارج غير حجة: فهذا القسم لا ينفع في شيئ.

فمئال الكلام ان الادلة المذكورة، حجة ام لا؟-؟ اَليس التقرير العملي بحجة؟ فهل شكٌ في حجية الامضاء العملي؟‌ سيمّا في البضع و العِرض.

و المصنف يجعل اعتراف الزوجه دليلاً‌ و الحال اعترافها اعتراف ضمني عملي (كما بينّا) فهل فرق بين «الاعتراف» و بين «الاقرار» في مسئلتنا؟‌ و الحقيقة لا تتغيّر بتغيير اللفظ.

فيد زيد (مع انه لا حاجة بها، لوجود الادلّه الاُخر) دليل في زمرة هذه الادلّة.

 نعم: اذا كان هناك يدٌ خارجة عن الدعوي و اطرافه، فتصير قرينة، لا دليلا. لكن لا مطلقا. بل قد تبقي في كونها دليلاً، كما في ما نحن فيه. لانّ يد زيد علي الزوجة في مسئلتنا ليست يداً مجرّداً فقط. بل يده «يد مستمر برأي العين من عمرو طول اعوام» و ممضاة بامضاء عمرو. فهذا اليد دليل و لا تصير قرينة. فهذا اليد بنفسها تكفي في انقطاع اصالة عدم التوكيل فكيف اذا كان معتضدة بالادلة الاُخري.

كما ان كل و احدة منها تكفي في القطع.

لا يقال: اذا فرض اليد ممضاتا، فالدليل هو الامضاء، لا اليد.

لانّا نقول: امضاء عمرو عملاً كون المرئة زوجة زيد، امرٌ في نفسه. و امضائه يد زيد عملاً‌ امر اخر. و لكل من الامرين، لحاظ مستقلة، و اللحاظ و اختلافات اللحاظات يسبّب تعدد الامور. و لها امثلة كثيرة. فتامّل جيداً.

اما العرف: فالعرف يقضي بانّ‌ الانسان العاقل المسلم، لا يترك زوجته تحت رجل اخر اصلا و كيف الترك طول الاعوام حتي تكون ذات ولد من نطفة الاجنبي.

ليت شعري اين العرف الذي يتمسك به المصنف قدس سره مكرراً‌ في خلال كلامه-؟!

[7] و في النسخة: «عليه»،‌ بعنوان البدل.

[8] و في النسخة: منع.

[9] و هذا المشكل العظيم مولود اخر من مواليد مبناه قدس سرّه، و قد جاء الشرع لحل المشكلات لا لايجادها.

[10] و في النسخة: ذكره.

[11] و في النسخة: لان.

[12] لا يذهب عليك: ان دليل المصنف(ره) اخصّ من مدعاه؛ لانّه اثبت عدم الفرق بين العين و الدين، و استنتج منه عدم الفرق بين المال و النكاح ايضا اتكاءً علي انّ الزوجة عين. و هذا يتمّ في الزوجيّة الاِملاكيّة (اي الاَمة و البضع الملكي) لا في الزوجة الحرّة. فانّ بينهما فرقاً و هو انّ مالكية المولي لبضع الاَمة ملك طِلق. و مالكية الزوج لبضع الزوجة الحرّة ليست ملكاً طلقاً بل في مقابله حق استمتاع الزوجة من الزوج، امر مسلّم. بل اطلاق لفظ المالكية و الملكية علي البضع، اطلاق تسامحّي و المراد الاختصاص لا الملكية كالمال. و لذا ليس للزوج بيع البضع.

فالزوجة ليست بعين. اي ليست عينها مقصودة هنا، بل المقصود اختصاص بضعها. و يصدق العين بالاَمة، لا بالحرّة، و البحث في الحرة. و لعلّ ديدنه هذا، من العوامل التي يمنعه عن التوجه بالاثار الاجتماعية الفاسدة و المشكلات المتعددة الناشئة من مبناه و فتواه. فتامل.

[13] الوسائل، كتاب النكاح، ابواب ما يحرم بالمصاهرة، ب16 ح1.

[14] و في النسخة: انّ فيما نحن فيه الا الزوجية… .

[15] و في النسخة: ان.