كتاب الطلاق: هذه رسالة‌، في انفراد مسئلة الطلاق بعوض، عن الخلع. (4)

و اما اندراجه في الجعالة (بمعني ان يجعل الفدية جعالة للطلاق)، فلانه يصدق عليه ايضا انه طلاق في مقابلة عوض. و صحة الجعل علي الطلاق، مصرح بها في كلماتهم، حتي ان الشهيد الثاني(ره) نفي الاشكال في صحة بذل المتبرع اذا اراد الجعالة، لانه عمل محلل يتعلق به غرض صحيح. كما اذا اراد تخليص الزوجة عن الشدة و المحنة. بل الاشكال في تصحيحه خلعاً. فلا مانع من ان تقول الزوجة لزوجها «طلّقني علي ان لك [عليّ] الفا». و طلقها الزوج في ازاء الالف. و يستحقه بالطلاق.

 

قال في القواعد في المطلب الخامس في سوال الطلاق: «و لو قالت طلّقني ثلاثاً علي ان لك عليّ الفا، فطلّقها، قيل لا يصح، لانه طلاق بشرط. و الوجه انه طلاق في مقابل عوض. فلا يعدّ شرطا. فان قصدت الثلاث ولاءً، لم يصح البذلة و لو طلّقها ثلاثا مرسلا»[1] الي ان قال: «و لو قصدت ثلاثا برجعتين صح، فان طلق ثلاثا، فله الالف»[2].

 

و قال الفاضل الاصفهاني في شرح العبارة الاخيرة: لان البذل علي افعال صحيحة شرعاً، فان طلّقها ثلاثا كذلك، فله الالف (وفاقا للمحقق) علي الجعالة، لا علي الخلع. و الاّ‌ لزم تراخي الايجاب عن السؤال، و جواز مراجعة الزوج في الخلع من غير رجوعها في البذل. ثم ذكر توجيها لارجاعه الي الخلع. فيه تكلف.

 

ثم قال بعد ذلك في القواعد بعد العبارة الاخيرة: «و ان طلّق واحدة، قيل له الثلث. و فيه نظر، لان مقابلة الجميع بالجملة، لا يقتضي مقابلة الاجزاء بالاجزاء». و انت اذا تاملت في عقد المطلب لبيان احكام سوال الزوجة الطلاق، و لاحظت هذه العبارات، يظهر لك ان عندهم فرداً من الطلاق بعوض، غير الخلع و المباراة. و ان لم يجعله من باب الجعالة ايضا. و هذا الكلام منّا قد اعترض في البين للتبنيه. فلنعد الي الكلام في الجعالة.

 

و نقول: لا ينبغي الاشكال في صحتها من الزوجة ايضا، كما يصح من الاجنبي[3]. فقد يكون المرئة[4] مريدة للطلاق لاجل مصلحة من المصالح من دون كراهتها للزوج. فيجعل له جعالة علي ان يطلّقها لمحض ارضائها بالطلاق. و تعلم انها بمحض الطلاق تصير بائنا، لكونها غير مدخولة، او يائسة مثلا. فليس ما بينها و بين مقصودها الا الطلاق. و تحصّله بالجعالة. و اما لو كانت مدخولة من ذوات الاقراء؛ فقد تعلم من حال زوجها انه لا يرجع اليها، [ا]و انه جاهل بجواز الرجوع و لا يعلم بذلك حتي ينقضي العدة، فيحصل مطلبها ايضا. و اما لو كان الزوج عالما بالمسئلة، فان اراد الزوجة البينونة، فلا يتم بمجرد الطلاق. اذ له الرجوع في العدّة و ليس للمرئة الرجوع الي البذل. لانه فعل العمل و الطلاق، الاّ ان يعلم ان مرادها الابانة و عدم الرجوع، و بذلت الجعالة لاجل ذلك. فحينئذ يجوز للمرئة الرجوع الي البذل، لعدم تمام العمل. نعم: لو عقدت الجعالة علي الطلاق و علي اسقاط حق الرجوع و فِعلهما، فلا يجوز له الرجوع و يحصل البينونة. فقد يحصل [البينونة] و قد لا يحصل.

 

و اما ما قد يناقش في صحة الجعالة فيما نحن فيه من جهة عدم شمول ادلتها لذلك. و من جهة ان وضع الجعالة علي الافعال التي يفعلها الانسان و يقوم بها عن غيره. و لذلك لا يقع في ساير العقود و الايقاعات، الا اذا صدرت من الوكيل فيما يصح فيه الوكالة.

 

ففيه: انّه لو لم يكن هناك دليل الاّ عموم «اوفوا بالعقود» و نحوها، لكفي. اذ تلك العمومات كما يفيد وجوب الوفاء بها، يفيد صحتها. غاية الامر عدم لزوم الجعالة و وجوب الوفاء بها بدليل خارجي. فما الذي رفع جوازها؟ و هذا ليس من باب فسخ الوجوب المستلزم لرفع الجواز. كما لا يخفي علي المتدبر. و الاّ فالظاهر ان كلماتهم متطابقة في جوازه علي كل امر محلل لم يكن واجبا علي المكلف.

و اما ما ذكر في حصر موضوع الجعالة في الافعال التي يقوم الانسان[5] عن غيره، ففيه منع ظاهر. اذ موضوعها الافعال التي يقوم بها لغيره. لا عن غيره. بل استثناء الواجب ايضا انّما لَيُسلّم في الواجبات العينية. بل التوقيفية منها. و لذلك ذكروا انّ قوله عليه السلام: «من قتل قتيلاً فله سلبه» من باب الجعالة. و ان كان الجهاد من الواجبات. لكونها توصلياً و كفائياً. و ذكروا من امثلتها «كل من دخل داري فله درهم». فالطلاق اذا فعله الزوج بازاء الجعالة، فهو فعل يفعله لغيره و هو الجاعل. لا عن غيره.

 

ثم: ما ذكر من انه لا يقع في ساير العقود و الايقاعات، مصادرة. افتراك ان تقول بحرمة الجعل بازاء النكاح اذا اراد رئيس قبيلة ان يواصلهم رجل عظيم و يتزوج امرئة منهم ليشدّ به اذوهم و يرتفع امرهم و يزداد فخرهم، مع وقوع النكاح بمهر امثال الزوجة بدون نقص.

فاذا جعل الزوجة او الاجنبي جعالة لزوج علي ان يطلّقها لغرض صحيح، فهو فعل محلل وقع للغير و لا يلزم ان يكون عن الغير حتي يمكن ان يقال: ليس الطلاق من شأن الزوجة و الاجنبي حتي يكون فعله نيابة عن الغير. و كذلك الكلام في الجعالة علي البيع و العتق و غيرهما. من العقود و الايقاعات. و لا غائلة فيها اصلا.

 

ثمّ انك قد عرفت: ان مرادنا في هذه المقامات، اثبات فرد من الطلاق يؤخذ العوض في ازائها. لا خصوص صيرورته بذلك طلاقا بائناً. و انه لا يلزم مقارنة الطلاق بالهبة و الصلح و الجعالة و غيرها. و لم نلتزم لزوم ذكر العوض حين اداء صيغته، بل انما هو اذا اريد التنبيه علي العوضية. و مع ظهور فقده من الجانبين، يكتفي به عن ذكره. فلا يرد علينا بعض المناقشات المبتنية علي توهم ذلك؛ مثل ان الجعالة تابعة للعمل المجعول عليه، فان كان الطلاق بائنا بذاته فبعد العمل ايضا بائن. و ان كان رجعيا، فرجعي. فلم يحصل من الجعالة، طلاق بعوض بائن مغاير للخلع و المباراة. و مثل انه لا يشترط في الجعالة مقارنة العمل بالجعل بحيث لم يحصل[6] الفصل، كما اعتبر في الخلع. و مثل انه لا يشترط في العمل ذكر العوض. و امثال ذلك. غاية الامر انا نقول: قد يمكن صيرورته بائنا بنوع من التصرّف؛ من اسقاط حق، او مصالحة. و قد يكتفي في المقام بحصول البينونة التي في مقتضي اصل الطلاق (كما في الصغيرة و اليائسة و غير المدخولة) و تعاطي هذه العقود (من الهبة و الجعالة و غيرهما) لحصول الطلاق الذي يلزمه البينونة و ان لم يكن ذلك من مقتضيات هذه العقود. كما اشرنا اليه سابقا.

 و اما الكلام في القسم الاول: و هو الذي ينبغي ان يبني مسئلتنا المبحوث عنها عليه، و يحمل كلماتهم في هذا المضمار عليه. فتحقيق الكلام فيه يحتاج الي تمهيد مقدمات:

الاولي: ان الخلع بناءً علي ما عرّفوه بانه «ابانة بفدية من الزوجة بلفظ خلعت لا يستلزم ذكر الطلاق معه». و علي ذلك يترتب الخلاف في ان الخلع هل هو فسخ، او طلاق؟-؟ و علي القول بكونه فسخا، ليس بطلاق و لا يعدّ من الطلقات. و ليس خلافهم في ذلك في صورة ذكر الطلاق معه.

الثانية: ما ذُكر[7] من كفاية لفظ الطلاق بعوض مجرداً  عن لفظ الخلع، و انّ الخلع يقع بهذا اللفظ، انما يصح علي الاطلاق عند من يقول بكون الخلع طلاقا و ان تجرد عن لفظ الطلاق. و اما من يقول بان الخلع مجرد فسخ لا طلاق، فكفاية هذا اللفظ عنه، لا يتم. اذا اريد به الفسخ الذي هو معني الخلع المجرد. اذ الطلاق لا يكون فسخا ابدا. فلا يصح للقائلين بان الخلع المجرد فسخ لا طلاق، ان يقولوا: ان الطلاق بعوض، خلع. اذ لا يصح حمل الخلع علي الطلاق عندهم. فعلي هذا فمراد هذا القائلين اذا قالوا «ان الطلاق بعوض يجزي عن الخلع» انه يفيد فائدته من البينونة. لا انه خلع حتي يصح ان يقال انه فسخ ايضا. و يتفرّع علي ذلك انهم اذا ارادوا ان لا يعدّ الخلع[8] من الطلقات و كان مقصودهم ايقاع الخلع مجرداً عن لفظ الطلاق، لا يجوز لهم الاكتفاء بلفظ «الطلاق بعوض». اذ هو يعدّ من الطلقات جزما. و ليس الطلاق من الفاظ الفسخ.

 

الثالثة: ان الطلاق ربما يمكن ان يكون عوضا عن شيئ، للاصل و العمومات. فيصح المعاوضة عليه. و ناهيك ان المشهور جعلوا الخلع و المباراة من عقود المعاوضات. و لذلك اشترط الايجاب و القبول و المقارنة بينهما و تعيين العوض و غير ذلك من شرائط المعاوضات. فيصح اندراجها تحت عموم «اوفوا بالعقود». و تعليلهم الامور المذكورة بكونه عقد معاوضة، يوضح جواز ملاحظة ذلك في الطلاق بعوض من دون كراهة من احدهما. و قد حققنا في المقدمة الاولي من الرسالة، جواز الاستدلال بها علي جميع المعاوضات الاّ ما اخرجه الدليل.

 

الرابعة: انه[9] ربما يذكر في بيان كفاية الطلاق بعوض (يعني لفظ انت طالق بكذا) [انّه] صح و كان مباراة. اذ هي عبارة عن الطلاق بعوض، هو مثل قوله «انت طالق بكذا». و كون هذا اللفظ ايقاع الطلاق بازاء عوض مطلقا [بـ]ان نقول:

المباراة طلاق بعوضٍ[10].

 

و كل طلاق بعوضٍ، صيغته الدالّة عليها مطابقةٌ مثلَ قوله «انت طالق بكذا» و يقع بتلك الصيغة بعد اجرائها[11].

 

فالمباراة يقع بهذه الصيغة[12].

 

فمع تسليم كلية الكبري لا يبقي مجال لانكار كون الطلاق بعوض، صحيحا و كونه اعم من الخلع و المباراة.

 

فان قلت: ان الاوسط في الصغري مقيد بالمنافاة بين الزوجين، فلاجرم انه مقيد به في الكبري. فلم يثبت الكلية المدعاة.

 

قلت: هذا القيد لاجل تصحيح الحد ليتميّز المباراة عن الخلع و غيره، لا لتتميم القياس و توسيم الاوسط. فان الظاهر مبني كلامهم في الخلع في هذه المسئلة ايضا علي هذا القياس. و علي هذا فيلزم ان يكون الخلع ايضا معتبراً فيه المنافاة بين الزوجين، مع انه لا دلالة للفظ «انت طالق علي كذا» علي اعتبار الكراهة مطلقا باحد من الدلالات؛ لا لغة، و لا عرفا، و لا شرعا. اما الاولان، فظاهر. و اما الثالث، فلعدم ثبوت الحقيقة الشرعية لهذا اللفظ في هذا المعني.

 

فان قلت: ان مدلول هذا اللفظ، ايقاع الطلاق بعوض مع ثبوت الكراهة في الجملة، سواء‌ كان من الزوجة فقط او منهما. [فـ]يتمّ القياس في المقامين لثبوت القدر المشترك للاوسط في كليهما بقيد المنافاة[13] بين الزوجين. اي هو لكونه احد الامرين؛ [الكراهة] منهما او الكراهة عنها فقط[14].

قلت: لو سلّمنا ذلك، فينبغي منع ثبوت الحقيقة الشرعية في ذلك ايضاً[15] و لا مجال لاثباتها سيما مع ملاحظة ما ذكروه من ان الطلاق بعوض يجزي من الخلع و انّه تفيد فائدته. و لم يقولوا[16] انه هو.

 

فان قلت: لم يرد المستدل الاستدلال علي طريق الشكل الاول. بل مراده التنبيه علي دخول الجزئي في الكلي، يعني ان المباراة عبارة عن الطلاق بعوض في ضمن ايّ لفظ دلّ عليه. و لفظ «انت طالق بكذا» من جزئيات اللفظ الدال عليه.

 

قلت: المقدمة الاولي مصادرة. اذ نحن الان في مقام اثبات ان ايّ لفظ يجزي و ايّاً لا يجزي. فكيف يدعي العموم؟ و ظني ان هذا المطلب لا يحتاج الي التوضيح اكثر من ذلك.

 

اذا تمهد هذه المقدمات؛ فنقول: ان المستفاد من مجموع هذه الكلمات، ان الطلاق بعوض بهذا المعني ايضاً اعم من الخلع و المباراة، و ليس قسما من اقسام الطلاق حتي تُمسك بانهم لم يذكروا غير الخلع و المباراة شيئاً من اقسام الطلاق ينطبق علي ذلك[17]. اذ نحن نقول ان الخلع و المباراة ايضا (من حيث انهما فردان من اقسام الطلاق بعوض) ليسا من اقسام الطلاق. بل صيرورتهما قسما مستقلا انما هو من جهة خصوصيات اُخر. فالطلاق بعوض، قسم من المعاوضات يوجِد في جميع اقسام الطلاق معني الخلع و المباراة. كما سنشير ايضا. و لذلك اكتفوا في بعض موارد الخلع و المباراة بانها من افراد الطلاق بعوض، الذي هو قسم من المعاوضات، من حيث [افا]دته فائدتهما. لا من حيث انه خلع و مباراة حقيقة.

فنقول: انه يجوز معاوضة الطلاق (و ما يترتب عليه من الثمرات و التوابع مثل جواز الرجوع فيما يمكن فيه الرجوع الي الزوجة، و غيره[18]) بعوض. كما انه يجوز ذلك في الخلع. اذ لا استحالة‌ في هذا النقل؛‌ لا عقلا، و لا عرفا، و لا شرعا. اما الاوّلان، فظاهر، سيما مع ملاحظة صحة الخلع و المباراة. و اما الاخير؛ فلعدم المنع من الشارع.

 

فان قلت: احكام الشرع توقيفية، يحتاج ثبوتها الي الدليل. [و لا حاجة الي الدليل] علي عدمها، فان الاصل يكفي في ذلك العموم.

قلت:‌ مع ان التمسك بالاصل غير تمام (كما اشرنا اليه في المقدمة الاولي)‌ نقول: ان الدليل موجود و هو عموم «اوفوا بالعقود» و امثاله علي ما بيّناه في تلك المقدمة. و لم يقل احد بان الاحكام لابد فيها من النص الخاص، كما ورد في الخلع و المباراة. بل يكفي في ذلك، العموم.

اذا عرفت هذا فنقول: ان العموم يقتضي الصحة. و الامر بالوفاء بالعقد، يقتضي اللزوم (اذ قد بيّنا في تلك المقدمة ان الاصل فيها الوجوب الاّ ما خرج بالدليل) و هذه العمومات مخصَّصة بعموم ما دل علي جواز الرجوع في المطلقات الرجعية. اذ هذا العقد وارد عليها، لما ذكرنا انه من طواري اقسام الطلاق. فكانه قيل يجوز الرجوع في المطلقات الرجعية الاّ ما وقع عقد المعاوضة عليها.

 

فان قلت: ان النسبة بين تلك العمومات و بين ما دل علي جواز الرجوع في طلاق ذوات الاقراء‌ المدخولات[19]، عموما من وجه. بتقريب ان جواز الرجوع في المطلّقات المذكورة، اعم من ان يكون مورد العقد، المعاوضات، او لا يكون. و لزوم عقود المعاوضات ايضا اعم من ان يكون احد العوضين فيها طلاق تلك المطلّقات، ام لم يكن. فما ترجيح عموم المعاوضات؟‌

قلت: ان مرادنا من عقد المعاوضات هنا، العقد الذي يقصد فيه تمليك البضع للمرئة، بحيث لم يكن رجوع للزوج. كما في المختلعة. و لذلك تريهم يستدلّون بالاية[20] بالخلع [و] بعمومات المعاوضات، وان الاصل فيها اللزوم. كما ذكره في المسالك. و قال ابن حمزة في رجوع المرئة في البذل: «يجوز ان يُطلقا الخلع و ان تعيد[21] المرئة بالرجوع فيما افتدت به، و الرجل بالرجوع في بضعها. و ان اطلقا، لم يكن لاحدهما الرجوع، الاّ بحال يرضاه الاخر. فان قيل: لم يخل اما لزمتها العدة، او لم يلزم. فان لزمها[22]، جاز الرجوع ما لم تخرج من العدة. فان خرجت منها او لم يلزم العدة، لم يكن لها الرجوع بحال. الا بعقد جديد و مهر مستأنف»[23].

و احتج له في المختلف، بانها معاوضة فيعتبر رضاهما. و نفي عنه البأس. و استجوده بعض المتاخرين. و ايضا: يستدلون في اعتبار الايجاب و القبول و مقارنتها في الخلع، بانه عقد معاوضة.

فان قلت: ان مجرد قصد ذلك في العقد، لا يكفي. اذ ترتب جواز الرجوع (المستفاد من ادلته في المدخولة و ذات الاقراء) من الاحكام الشرعية الوضعية، و لا يرتفع ثمرته بمجرد قصدهما. و [لو] لم يكن في المختلعة النص الخاص علي الابانة و سقوط تسلط الزوج، لقلنا فيه ايضا بجواز الرجوع فيما لم يكن فيه مانع خارجي. و جواز رجوعه بعد رجوع المرئة بالبذل، بعد ورود النص علي الابانة، انما هو بسبب النص الوارد فيه ايضا. بل جواز رجوع الزوجة هنا اشدّ اثباتا (لنقض اللزوم بالعموم[24] لو لم يكن النص) من اثبات اللزوم بالعقد المذكور.

قلت: مع ان الادلة الدالة علي جواز الرجوع (لمّا كان في مقابل العوض) فعمومها ممنوعة[25]. بل ليس فيها عموم. و انما هي اطلاقات وردت في بيان احكام الرجعة. و الاطلاق انما ينصرف الي العموم حيث يراد بيان حكم المطلق من حيث هو ترك استفصال. [و] ليس الطلاق بعوض من الاحتمالات الظاهرة في الاذهان فيها. و اظهر العمومات في هذا الباب قوله تعالي: «وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ»[26]. و لا ريب ان الضمير يعود الي من يمكن في حقها الرجوع. و كون المدخولة ذات الاقراء التي خلعت بعوض من جملتها، اول البحث.

 

سلمنا جميع هذه المراحل. و لكن نقول[27]: عموم ما دل علي لزوم المعاوضات، اقوي دلالة من هذه. و بعد تسليم عدم ذلك ايضا، نقول: غاية ذلك ان الطلاق بعوض، بمجرده يفيد الابانة. و اذا وقع عقد المعاوضة هنا[28] (بان الزوجة تبذل الفدية في ازاء ابانة الزوج ايّاها بالطلاق، بحيث لم يجز له الرجوع بعد ذلك. و هو ممكن للزوج بان يسقط حقه من الرجوع ان يصالحه) فكانها تقول «بذلت هذا لان [تـُ]طلّقني طلاقاً[29] يسقط فيه حقك من الرجوع، او تصالحه». فاذا قبل الزوج ذلك و تمّ عقد المعاوضة، فلا يجوز الرجوع.

 

مع انّا لو سلّمنا عدم امكان ذلك، و لكنّا قد اشرنا سابقا؛ ان فائدة الطلاق بعوض يتصور في امرين: احدهما صحة تلك العوض. و الاخر البينونة. و اذا لم يحصل الفائدة الاخيرة، فلا مانع من الاولي. سيما اذا كانت يائسة، او صغيره، او نحو ذلك. فانه يحصل البينونة ايضا و ان كانت من جهة اُخري. و ايضا: يظهر الثمرة فيما لم يكن يطلّقها لولا بذل العوض. فحصل فائدة تملك العوض. و البينونه ايضا و ان كان[ت] من جهة اُخري.

 

بقي الكلام؛ في انه هل يجوز للمرئة الرجوع في البذل كما يجوز في الخلع-؟ ام لا؟‌ فيه اشكال. لان المجوّز لرجوع المرئة من الخلع انما هو النصوص، و هي مفقودة هنا. و انما خرجنا عن مقتضي عموم المعاوضة في جانب الزوج من اجل ادلة جواز الرجوع فيما يمكن فيه (علي فرض تسليمها)، فيستقرّ[30] في جانب الزوجة علي حالها. و ظاهر المسالك، الجواز. و هو مشكل [الاّ] علي سبيل التقابل[31]، و هو ايضا مشكل لفوات الطلاق و عدم كونه متقوَّماً و لا مثلياً. و البضع ليس بنفس العوض و لا مثله و لا قيمته.

 

فان قلت: ان قولهم بان الطلاق بعوض يجزي عن الخلع، يقتضي ان يجري فيه ايضا احكام الخلع.

 

قلت: هذا غلط فاحش. اذ مرادهم ان الخلع لمّا كان من افراد الطلاق بعوض، و لفظ «انت طالق بكذا» يفيد هذا المعني، فيجزي عن لفظ الخلع من حيث افادة المفارقة بعوض او بينونتها ايضا. و لكن لا يستلزم ذلك ان يكون ترتب ساير احكام الخلع (مثل جواز رجوع المرئة في البذل مع امكان رجوع الزوج، و جواز رجوع الزوج بعد البذل، و غير ذلك) من جهة انه فرد من الطلاق بعوض. بل انما استفيد من كون هذا الفرد الخاص من الطلاق بعوض الذي له احكام خاصة. و ثبوت احكام لفرد خاص لاجل الخصوصية لا يقتضي بثوتها للعام. فقولهم ان الطلاق بعوض يجزي عن الخلع و يفيد حكمه، اما يراد به مجرد الابانة، او انه بانضمام خصوصات المقام من كراهة المرئة و قصد الخلع، يفيد ذلك. لا ان هذا اللفظ من حيث هو يجري مجري الخلع، حتي توجد فيه حكم الخلع حيثما وجد.

 

ثم: قد ظهرلك مما ذكرنا من لزوم القصد، و مما حققناه من وجود فرد للطلاق بعوض لم يكن خلعا و لا مباراةً، ‌انّه لا يكفي مقارنة الصيغة بشرائط تحقق قسم من الطلاق، [في] حمله[32] علي ذلك، الاّ بالقصد. و لا يثبت مع تحقق قسم منها عدم جواز الاخر مع امكانه. فيصح الطلاق الرجعي في صورة‌ كراهة الزوجة فقط، و كراهتهما معا ايضا. و يصح الطلاق بعوض غير الخلع و المباراة في صورة تحقق شرائط احدهما، فيتبع القصد. و في صورة عدم القصد الي احدهما[33]، لا اعتبار بالصيغة. نعم لو لم يعلم القصد و وقع النزاع بينهما في ارادة ايّهما[34]، فيرجع الي ما يقتضيه المرافعة. و لعلّنا نشير الي حكمه بعد ذلك.

 

و اما الكلام في القسم السادس: و هو ان يجعل البذل شرطاً في الطلاق:‌ فان اريد به تعليق الطلاق عليه، فالذي يقتضيه اطلاق فتاويهم، البطلان. و قد صرح المحقق بانه لم اقف في لزوم تجريد الطلاق عن الشرط، علي مخالف من الاصحاب[35]. و لكن نسب القول الي المشهور، مشيراً الي ضعف المستند. و تامّلَ في المسالك في البطلان، لعدم ثبوت الاجماع و انّ عدم الوقوف علي المخالف لا يقتضي كونه اجماعاً. و لعموم الادلة. و استأنس له بصحة التعليق في الظهار[36]. و يمكن ان يكون نظر المشهور الي منافاة التعليق للانشاء ‌الذي تقتضي ثبوت مقتضي الايجاب حال التكلم. و انما خرجنا عنه في الظهار، للاخبار الواردة فيها. و يظهر هذا النوع من الاستدلال من جماعة من الاصحاب في مواضع شتّي و صرحوا باشتراط التنجيز في الخلع ايضا. حتي انهم فرّقوا بين قوله «انت طالق بكذا» او «علي كذا»‌ او «علي انّ عليك كذا»‌. و استشكلوا في كلمة «علي»‌ مع استعماله مع كلمة «انّ»‌. فان فيها شائبة التعليق (بخلاف «الباء») نظراً الي استعمالها في الشرط مثل قوله تعالي «هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى‏ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ»[37]. و اجيب بمنع ذلك، لامكان ارادة الجعالة و عورض بقوله تعالي «فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى‏ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا»[38] و «إِنِّي أُريدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى‏ أَنْ تَأْجُرَني‏ ثَمانِيَ حِجَجٍ»[39]. و ربما يفرق بين تقديم سؤالها و عدمه. فعلي الاول، يشبه الجعالة. و علي الثاني،‌ فيه شائبة الشرط.

 

و في هذا كلام،‌ لاحتمال الشرط معني الالتزام[40]. كما هو معهود في الشرط في ضمن العقود. و قد وقع الاجمال في كلام المحقق في الشرايع، حيث ذكر اولاً‌ اشتراط التجريد في الخلع، ثم ذكر انه لا يضر الشرط اذا اقتضاه العقد، كما لو قال «ان رجعتِ في البذل رجعتُ» و كذا لو شرطت هي الرجوع في الفدية. ثم قال:‌ اما لو قال «خالعتكِ ان شئتِ» لم يصح و لو شائت. لانه شرط ليس من مقتضاه. و كذا لو قال «ان ضمنت لي الفا» او «ان اعطيتني»، او ما شاكله. و كذا متي، او مهما، او ايّ وقت، او اي حين[41].

 

فان طرفي كلامه انما هو في التعليق،‌و وسط [ـه] في الشرط بمعني الالزام و الالتزام الذي يتداولون استعماله في العقود و الايقاعات و يشترطون ان لا يكون مخالفا لمقتضي العقد و لا للكتاب و السنة. غاية الامر ان المثال الاول اعني «ان رجعتِ في البذل رجعتُ» يصير الالتزام و الالزام في قالب التعليق و لكن العقد غير معلق عليه. كما هو موضع المسئلة. بخلاف المثال الثاني؛ فانه شرط في غير قالب التعليق. و فيما ذكره اخيراً في التعليقات من التعليل، بانه ليس من مقتضاه، ايضاً شيئ. فالاَولي الاستدلال بما ذكرنا من منافاته للجزم في الانشاء. او بالاجماع، لو شئت.

 

ثمّ: ان الشهيد الثاني(ره) استشكل هنا في الفرق بين قوله «خالعتكِ ان شئتِ» او «ان اعطيتني» و امثال ذلك، و بين قوله «خالعتكِ بكذا» مع عدم تقدم سؤالها. فان الخلع هنا ايضا معلّق علي قبولها الايجاب. و قال: الفرق ان في قوله «خالعتك بكذا» لا يتعلق في اللفظ و ان كان معلقا في المعني، فهو في صورة الجزم. و لا يضرّ ذلك، كما في البيع؛ فاذا قال «بعتك بكذا» فانه ايضا معلق علي قبول المشتري و صحيح. بخلاف ما لو قال«ان قبلت»[42].

 

و لا ريب انه تكلف ظاهر تفطن في اخر كلامه من الاستبعاد في جعل امثال تلك الاعتبارات مناطاً للاحكام الشرعية. اذ الكل في المعني متحد[43].



[1] القواعد، كتاب الخلع، المطلب الخامس في سوال الطلاق، ط كوشانپور، ص390- و فيه: لم يصح البذل.

[2] همان.

[3] المتبرع.

[4] و في النسخة: مل المرئة.

[5] و في النسخة: التي تقدم يقوم الانسان.

[6] و في النسخة: يجعل.

[7] و في النسخة: ما ذكره.

[8] و في النسخة: خلعهم.

[9] و في النسخة: لفظان بعنوان نسخة البدل في المتن و الهامش. ثانيهما: «انّما».

[10] صغري.

[11] كبري.

[12] نتيجه.

[13] و في النسخة: فقيد المنافاة.. .

[14] و في النسخة: و من الكراهة عنها فقط.

[15] و في النسخة: في ذلك ايضا مجاز.

[16] و في النسخة: و انه تفيد قائلته و لم يقول.. .

[17] و في النسخة: ينطق علي ذلك.

[18] و في النسخة: فيه الرجوع و غيره الي الزوجة.

[19] و في النسخة: في الطلاق ذوات الاقراء المدخولة.

[20] اي: اوفوا بالعقود.

[21] و في النسخة: يعيد- و الاصح: تعود.

[22] و في النسخة: اما لزومتها و العدة او لم يلزم فان تم لزمتها جاز الرجوع.

[23] جواب الشرط (فان قيل) لم يجئ، سهواً، او سقطاً، او لعدم الحاجة اليه.

[24] و في النسخة: اشد اثباتا لنص اللزوم بالعموم.

[25] عبارة النسخة: جواز الرجوع عمومها لما كان في مقابل العوض ممنوعة.

[26] آيه 228، سوره بقره.

[27] و في النسخة: لقول.

[28] و في النسخة: و اما وقع عقد المعاوضة منها.

[29] و في النسخة: لان طلّقتني طلاقا يسقط.. .

[30] و في النسخة: فيقر.- اي: فيستقرّ عموم المعاوضة.

[31] عبارة النسخة: لا علي سبيل التقابل- و لعلّ الصحيح: الاّ علي سبيل التقايل.

[32] و في النسخة: تحمله.

[33] و لعلّ الصحيح: احدها- اي: الي الرجعي و الخلع و المباراة.

[34] و لعلّ الصحيح: ايّها.

[35] الشرايع، الركن الثالت في الصيغة، ج3 ص9 ط دارالتفسير.

[36] نقلٌ بالمعني- المسالك، ج2، ص12 ط دارالهدي.

[37] آيه 66 سوره كهف.

[38] آيه 94 سوره كهف.

[39] آيه 27 سوره قصص.

[40] اي: لان الشرط حامل معني الالتزام- و في النسخة: و في هذا الكلام الاحتمال الشرط بمعني الالتزام.

[41] الشرايع، ج3 ص41 ط دارالتفسير.

[42] العبارة ليست عين عبارة الشهيد(ره) في المسالك. بل نقل بالمعني.- المسالك كتاب الخلع. ج2 ص54 ط دارالهدي.

[43] المرجع عينه.