كتاب الطلاق: هذه رسالة‌، في انفراد مسئلة الطلاق بعوض، عن الخلع. (1)

 

37: هذه رسالة‌

في انفراد مسئلة الطلاق بعوض، عن الخلع.

و وقوع الفراق به بدون الكراهة اصلا، و اختصاصها بالزوج

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمدلله رب العالمين و الصلوة علي محمد و آله اجمعين. فهذه كلمات سنحتني في مسئلة مفصّلة قد اشتبه عليّ امرها منذ اوقات. و هي مسئلة «انفراد الطلاق بعوض، عن الخلع. و وقوع الفراق به بدون الكراهة اصلا. و اختصاصها بالزوج». بعد ما استقرّ الراي علي بطلانه من راس، منذ اربعين سنة،‌ و فاقا للفاضل السيد محمد(ره) في شرح النافع. و ان كنت في هذا الحين حرّياً بان لا اميّز السّين من الشّين. و الفتّ[1] من السمين لبلوغ السّن مقارب السبعين، و نزول النوائب الروحانية و الامراض الجسمانية المقربة الي الحين، فوق ما يحرب باليمين. او يقرّر بلسان مبين. و لكنّي لما رايت الان ان موافقتي للفاضل المذكور جعل طريقة السابقين عليه كالمهجور، و جعل جمعاً كثيراً من الطلاب في ذلك كالمغرور. فكتبت ذلك رجاءً لتيقّظ الطلاب، و ايفاءً لبعض حقوق متقدمي الاصحاب.

و تحقيق القول فيه يستدعي رسم مقدمات:

المقدمة الاولي: في تحقيق معني قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُود»[2]، و استدلال الفقهاء به في تصحيح العقود و لزومها. فانّهم قد تداولوه في ذلك في جميع الاعصار و الامصار.

و قد يُستشكل: بانّ المراد ان كان ما يسمّي عقداً لغة، فيلزم ان يكون كلّما يخترع و يصدق عليه انّه عقد، يجب الوفاء به. و التخصيص بالصحيحة منها يستلزم التخصيص الغير المرضي. فان الباقي في جلب المخرج كالمعدوم. و ان اريد العقود المتداولة المتعارفة في زمان الخطاب، فهي غير معلومة.

و يمكن دفعه؛ بان العقود المتعارفة في زمانها (من البيع و النكاح و الصلح و الهبة و الاجارة و نحوها مما ذكره الفقهاء) لا ريب في تعارفها و تداولها في ذلك الزمان ايضا. و انّما هي المتداولة في زماننا هذا. و الاصل عدم التغيير. و استدلالاتهم يرجع الي اثبات هذه العقود، و يتمسكون بها في تصحيح هذه اذا شك في اشتراط شيئ فيها، او وجود مانع عن تاثيرها، و نحو ذلك. لا تصحيح عقد براسه.

 

و اما مثل شركة الابدان، و المغارسة، و الشغار، و نحو ذلك (فان لم نجعل من اقسام هذه العقود بانّ بطلانها من جهة فقدان شرط او وجود مانع) فلا يلزم من اخراجها التخصيص الغير المرضي، كما لا يخفي.

 

و الظاهر انّ المراد بالايفاء بالعقد، العمل علي مقتضاه مادام باقيا. فلا ينافي وجوبُ الايفاء ‌كونَ بعض العقود جايزاً كالشركة، و المضاربة، و نحوهما.

 

و بالجملة: الظاهر انّه ليس المراد من الامر، وجوب العقود (كما لا يخفي) و لا وجوب  الالتزام بها بَدئاً. لجواز[3] الفسخ في اللازمة منها بالتقايل، و الطلاق،‌ او غيرهما. و كذا في الجايزة. فالمراد هو وجوب الايفاء علي مقتضا ها مادامت باقية علي حالها.

 

ثمّ: ان الظاهر انّ المخاطب بالاية، كل واحد من المكلّفين. علي ما هو التحقيق من افادة صيغة الجمع، العموم الافرادي، لا المجموع من حيث المجموع. و حينئذ يلزم التجوّز في العقود بارادة احد طرفي العقد من الايجاب و القبول. اذ لا يصدر من كل واحد الاّ احدهما[4]، الاّ مع تعدد الحيثية، كما لو اتحد الموجب و القابل[5]. فيكون من باب «اوف بالعهد»[6] و «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ»[7]. و يكون المراد؛ الايفاء علي مقتضي الايجاب و القبول. او المراد وجوب الايفاء علي مقتضي نفس العقد الحاصل من الايجاب و القبول. فلا يكون من باب اوف بالعهد و يُوفُونَ بِالنَّذْرِ.

 

و علي ايّ تقدير؛ فيصح الاستدلال بها علي صحة الفضولي. و لايرد انّها لا معني لوجوب ايفاء البايع فضولا، علي مقتضي بيعه. فانّ الايفاء‌ علي الاحتمال الثاني واضح بعد تمامه بالاجازة و كذلك علي الاول؛ لانّ مقتضي ايجاب البايع فضولاً، العمل علي مقتضي بيعه عليه ان يعتقد كون المبيع مال المشتري بعد اجارة المالك، و يترتّب عليه ثمرته.

 

هذا ما حققته في سالف الزمان في وجه الاستدلال بالاية.

 

و لكنّ الذي يظهر لي الان بعد التامل؛ ان ذلك لا يخل من اشكال. بملاحظة ظاهر اللفظ، و ان الجمع المحلّي حقيقة في العموم لا العهد. و بملاحظة تداول العلماء الاستدلال بذلك علي الاطلاق. و بملاحظة عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ «العقد». و هو في الاصل «الجمع بين الشيئين بحيث يعسر الانفصال». و المراد بالعقد هنا «العهد الموثّق» علي سبيل المجاز، تسمية المتعلِّق باسم المتعلَّق. فالعقد هنا هو التوثيق و التشديد، في الاصل. و هو يتعلق بالعهد و غيره. (قال الجوهري: عقدت الحبل و العهد والبيع فانعقد). فالمراد بالعقود هنا، العهود الموثقة. كما صرح به جماعة من المفسرين.

 

و يمكن دفع الاشكال (مع التزام ارادة مطلق العقود و العهود الموثقة، مراعاةً للمعني اللغوي) بان لزوم التخصيص الغير المرضي، لو سلّمنا كثرته الغير المتداولة في الشرع، انّما هو اذا اريد بعموم العقود، العموم النوعي. و هو خلاف التحقيق. بل المراد العموم الافرادي. فاذا لوحظ الافراد، فلا ريب ان افراد العقود المتداولة، اكثر من افراد غيرها[8]. سيما في مثل البيع و الاجارة و النكاح. فبعد[9] منع ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ العقد، فيبقي علي عموم معني اللغوي. فكلّما ثبت بطلانه بدليل (كالميسر، و الازلام، و الربا، و الرهان لغيرما جوّزوه في محلّه، و المغارسة، و نحوها) فيخرج و يبقي الباقي.

 

و الي ذلك ينظر استدلالهم بهذه الاية في لزوم العقد اللازمة. فالجواز في مثل الوكالة، و المضاربة، و الشركة و نحوها، انما ثبت بالمخصص. و الاّ لقلنا باللزوم فيها ايضا. و لذلك تامّل بعضهم في بطلان «شركة الابدان» و «[شركة] الوجوه» و نحوهما، [اذ] لم يكن اجماع. فلا يلزم وجود الدليل في كل واحد من خصوصات العقود صحةً‌ و لزوماً. بل المحتاج اليه، الفساد و الجواز.

 

و لابد في هذا المقام؛ معرفة[10] ان الصحة التي هي من احكام الوضع، يتوقف علي التوظيف من قبل الشارع. و كون الاصل اباحة العقد او برائة الذمة عن العقاب و المؤاخذة عليه،‌ معني اخر لا يستلزم ترتب الاثر الذي هو معني الصحة المبحوث عنه هنا. فان مقتضي اصل الاباحة و البرائة و ان كان جواز المعاهدة و المعاقدة و جعل الاثار مترتبة عليها عند العباد. و لكنه لا يثبت بمحض ذلك عدم انفكاك الاثار عن المؤثرات و لزوم الوفاء بها بحيث لو تخلّفوا عنها كانوا معاقبين. و اما بعد ثبوت تجويز ذلك الجعل من الشارع، فيلزم ترتيب الاثار علي المؤثرات، و لا يجوز التخلف. فمعني الصحة التي هي حكم من احكام الوضع، هو حكم الشارع بلزوم الترتيب.

نعم: قد يلزم الترتب بدون حكم الشارع ايضا فيما استقل به العقل في الحكم بلزومه، كردّ الوديعة و اداء الدين. و لكنه ايضا من الاحكام الوضعية الثابتة من الشرع بلسان العقل. و حكم العقل بالاستقلال من جملة الادلة الشرعية. فيظهر ثمرة توقيفية الاحكام الوضعية، فيما لم يستقل بحكمها العقل. فلو فرض ان اهل العرف قد وضعوا البيع و جعلوا من آثاره تملك كل من المتبايعين ما كان في يد الاخر، و [لو لم][11] يبلغ من الشرع الحكم بذلك الترتب و لزومه، فيجوز ردّ كل منهما ما في يده الي الاخر، مع استرداد ما كان له اولاً،‌ بدون رضاء الاخر. فمقتضي اصل البرائة و الاباحة، جواز المعاقدة و جواز اعتقاد التملك بها، و جواز التصرف المالكي في كل من الطرفين. و اما ثبوت الملكية الواقعية في نفس الامر، و عدم جواز الاخذ منه مع ردّ عوضه اليه بدون رضاه و امثال ذلك، فيتوقف علي حكم الشرع، و هو معني الصحة.

فلنرجع الي تفسير الاية و محتملات بيان الاية[12] [فهي] امور:

الاول: ان المراد بيان وجوب العمل  علي مقتضي كل عقد يعقدونه. مطابقا لحكم العقل بحسن الوفاء بالعهد و العقد[13]. كما يشير اليه قوله(ع): «المومنون عند شروطهم»[14]. فهذا ايجاب للوفاء بكل عهد و شرط الاّ‌ ما خرج بالدليل. فالاية (بمقتضي دلالة الصيغة علي الوجوب) يفيد اللزوم، و هو مستلزم لتشريعه و تسنينه. فهناك «الاصل في اللزوم» انما ظهر من الشرع. و هذا يثمر في مجهول الحال، و لا يجب تتبع احوال اهل العرف في انّ بنائهم كان علي اللزوم او الجواز. فثبت من الاية الرخصة و الايجاب و اللزوم الي ان يثبت المنع و الاستحباب و عدم اللزوم من الخارج.

الثاني: ان المراد بيان الصحة و ترتب الثمرة التي كانت منظوراً للمتعاقدين. يعني [ما] تعاقدون عليه بينكم، فقد اجزته و رتّبت عليه الثمرة التي تريدون منه. فصار شرعيا. بان يكون الامر من باب رفع الحظر و اثبات محض الرخصة و جواز ما يفعلون. و يلزمه ان يصير كلما كان عندهم علي وجه لزوم، لازماً. و علي وجه الجواز، جايزاً. و لكن هذا يحتاج الي تتبع احوال اهل العرف و متابعتهم في اللزوم و الجواز، و لا يثبت من الاية عموم الوجوب و اللزوم.

الثالث: ان المراد: انّ ما جوّزنا لكم و حلّلناه و رتّبنا عليه الثمرة، من العقود. فيجب عليكم الوفاء بمقتضاه؛ مثل ان عقد البيع في العرف، كان «هو نقل عين بعوض معلوم» فصّححه الشارع[15] و جوّزه و رتّب عليه الثمرة التي ارادوه، بقوله «أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ»[16]، و مثل المضاربة التي جوّزه بقوله «إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ»[17]، ثم قال اوفوا به. يعني يجب الوفاء علي مقتضاه من النقل، بمعني استمرار ملكية الطرفين لما ملكاه. فهذا يُثبت اللزوم في جميع العقود المجوّزة. و اما العقود الممنوعة كالربا و الميسر و غيرهما، فلا معني لوجوب الوفاء فيها.

الرابع: ان المراد: انّ ما بيّنّا لكم جوازه من العقود و شرحنا لكم و ميّزنا اللازمة منها عن الجايزة، و الراجحة عن المرجوحة، فاوفوا بها علي مقتضاها؛ فاعتقدوا لزوم اللازمات و اعملوا بمقتضاه، و جواز الجايزات و اعملوا بمقتضاه. و هكذا اوفوا بجميع العهود الموثقة و المواثيق المحكمة عن الايمان بالله و اليوم الاخر و بتحليل ما احلّ و تحريم ما حرّم، و العمل علي مقتضي ما فرضه من الفرايض و الاحكام و الحدود. فيكون الاية من باب الارشاد و الوعظ، او الامر بالمعروف و النهي عن المنكر. لا من باب انشاء الحكم و احداثه.

فعلي المعني الاول: يكون الاية مؤسسة للحكم، فمقتضاه حلّية كل عقد و ترتب ثمرته التي ارادها مواضعوه. خرج ما خرج بالدليل و بقي الباقي. فنقول: معني اوفوا بالعقود، يجب الوفاء بكل عهد موثق بينكم و بين الله كالنذر و اشباهه. [ا]و بين انفسكم بعضكم مع بعض كالبيع و اشباهه. او بين انفسكم مع انفسكم كالالتزامات و الاشتراطات علي النفس من غير جهة النذر. او من الله اليكم كالايمان به في عالم الذرّ و بعده.

 

فالاصل وجوب الوفاء بكل عهد موثق و هو المسمّي بالعقد، خرج ما خرج بالدليل؛ كالشركة و المضاربة (و ان كان صحيحاً بسبب قوله تعالي «الاّ‌ انّ تكون تجارة عن تراض». و داخل تحت عموم الاية، و لكنه ليس بلازم بسبب الاجماع) و غيره كالمغارسة و شركة الابدان، فانّهما ممنوعتان راساً[18] بدليل خارجي. فكلّما يندرج في «التجارة عن تراض» ثبت صحة منه و لزومه بهذه الاية. و ما لا يندرج فيه كالطلاق بعوض، ان قلنا انّه لا يسمّي تجارة[19] ثبتت صحته و لزومه بهذه الاية. بل نقول ثبتت الصحة و اللزوم في جميع العقود بالاية خرج ما خرج من الصحة و اللزوم المستفادين من تلك الاية‌ و بقي الباقي.

فما ذكروه في بعض المقامات من المنع من جهة انّ العقود من الوظائف الشرعية و موقوف علي التوظيف، و انه لم يرد عليه نص بالخصوص، مثل ما ذكروه في المغارسة؛ فاِما غفلوا عن عموم الاية‌ او منعوا انصراف عمومها اليه. و لذلك تفطّن بعضهم لذلك و ردّ بمنع عدم التوظيف مستنداً بان عدم ورود النص الخاص، لايدل علي عدم التوظيف. لثبوته من العموم. و نظير ذلك في الفقه كثير. كما انه منع جماعة عن اخراج المؤن في الزكوة مستنداً‌ بعدم النص. و ردّ عليه اخرون باستفادة ذلك من نفي الضرر و الحرج. و كذلك الكلام في من منع خيار الغبن في البيع او في غيره من الاجارة و امثالها مستنداً بدليل اللزوم و عدم نص خاص عليه. و رُدّ بان الدليل هو لزوم الضرر.

 

بل و يمكن ان يقال: لا يبعد التمسك في صحة المعاملة، باصل الاباحة و اصل البرائة. اذ هو من الادلة الشرعية. و هو ايضاً كثير في كلامهم حتي ان السيّد(ره) في الانتصار، جعل من ادلّة حلّية المتعة، اصل الاباحة و اصل البرائة. فانحصر عدم جريان اصل البرائة و الاباحة، في اختراع العبادة من الاصل. و الاّ فيجوز تتميم العبادة بهما ايضا في ما لو شكّ في زيادة بعض الاجزاء، او شكّ في وجوبه في العبادة. كما حقّقناه في محله.

و لكن قد عرفت ان معني اثبات صحة المعاملة بهما، ان الاصل اباحة ما يتعاقد الناس بينهم و يلزموهم. فاذا ثبت الاباحة بهما فيضمّ اليه هذه الاية و يثبت لزومه. فيصح ان يتمسك بهذه الاية‌ في لزوم كل عقد الا ما يثبت من الخارج حرمته من الشارع، او عدم ترتّب الاثر عليه اصلا، او عدم لزومه.

ثمّ اعلم: ان الاوامر الواردة بالصلوة (مثلا)، علي قسمين: فمثل «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى‏ غَسَقِ اللَّيْلِ»[20] الايه. ظاهر في اثبات الحكم الاولي و تشريع الصلوة. و اما «أَقيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ»[21] و نحوها، فلعله من باب التاكيد و التنبيه و الركون[22] عن تركها. مثل ان الآمرين بالمعروف اذا قالوا صلّوا، او زكوّا، انما يريدون الامر بما ثبت وجوبه من الدليل. بل و المخاطبون عالمون بالوجوب. و الولي اذا قال للطفل: صلّ، و افعل كذا و كذا. هو اعلام لاصل الوجوب و تعليم له ايّاه.

 

و حينئذ نقول: المراد بـ «اوفوا بالعقود»، اِمّا بيان تشريع العقود المتداولة (و لو علي سبيل الزامهم بما كانوا يفعلون من دون سبق تعليمهم ايّاها من جانب الشرع و الزامه ايّاهم بالعمل و الوفاء علي مقتضاها) فيكون مثبتاً للحكم و الزاماً معاً. و اِمّا بيان العقود التي ثبت من الشارع لزومها و الالتزام بها فا[لمراد بها ا]عملوا بها كما بُيّن لكم، نظير تنبه الآمرين بالمعروف. او بيان كليهما اعني [الـ]تنبيه في البعض [و] التشريع و التسنين في البعض.

 

فعلي الاخير، يلزم استعمال اللفظ في معنييه. و هو غير جائز الاّ بارادة عموم المجاز، و هو معني مجازي، الاصل عدمه. و لما كانت المائدة اخر سورة نزلت،‌ فارادة نظير الامر بالمعروف، الصق بالمقام. و لكن ارادة القدر المشترك، اتمّ فائدةً. و يمكن ان يقال انّ هذا هو المعين، بان يكون من باب التناسي عما بيّن قبل ذلك. فليس الامر بالوفاء امراً بشرط انه تأسيس، و لا بشرط انه تاكيد، بل لا بشرط. و مقتضاه بيان التشريع و التسنين. فكانه اوجد اساس الحكم بهذا اللفظ، متناسياً عما بيّن قبل ذلك. و كان التعليق بالوصف (اعني وصف العقدّية) يشعر بان وجوب الوفاء انما هو لاجل انه عقد، لا لاجل انه ورد به الشرع قبل ذلك. بخلاف ما يريد به الآمر[23] بالمعروف حيث يقول: ايها المومنون لا تتركوا الصلوة و الزكوة و بادروا الي الصلوة في اوقاتها، و الي الزكوة حين وجوبها بتصفية الغلّات.و نحو ذلك. مع ان ذلك ايضا امر حال معلومية الصلوة و الزكوة، لا بشرط معلوميتها.

 

و الحاصل: ان مقتضي الامر طلب ايجاد الوفاء بالعقد، اي العهد الموثق. و عموم العقود و جواز الاستدلال بها في اصل تشريع العقد و لزومه، هو الذي[24] تداول العلماء في الاعصار و الامصار.

 

و ظهر بذلك، وهن ساير الاحتمالات؛ من ارادة نفي الحظر من الامر، و [من] ارادة التنبيه و التشديد كما في الامر بالمعروف. و من ارادة كل من المعنيين علي البدل، و من ارادة القدر المشترك بينهما؛ بمعني التفطن لهما و اخذ المشترك بينهما (كما في عموم المجاز) و اصل طلب الفعل مع الالتزام الذي هو المعني الحقيقي و ان كان المطلوب قدراً مشتركا بين ما هو معلوم الصحة و الجواز و الالزام ايضا قبل ذلك، و بين غيره. و هذا القدر المشترك، غير القدر المشترك الذي قدّمناه. اذ هو القدر المشترك في الطلب، و هذا في المطلوب.

 

فان قلت: استدلالهم بهذه الاية في تصحيح العقود، فيما اختلف فيه من افرادها. لاجل ادخال ما اختلف فيه في ضمن العقد العام المأذون فيه. كما استدلّوا في تصحيح «الصلح الابتدائي» بذلك. لان الصلح عقد من العقود يجوز من الشارع بقوله «الصلح خير» و «الصلح جايز بين المسلمين» و هذا منه. فيجب الوفاء به لانه صلح، لا لانه من جملة افراد مطلق العقود. و هكذا من يستدل في تصحيح عقد الشركة (اذا اشترط لاحدهما زيادة الربح مع تساوي[25] المالين، او بالعكس) بعموم هذه الاية[26]، مراده ادخال ذلك في عقد الشركة المجوَّز من الشارع.

 

 

قلت: اولا: هذا لا يتمّ في مثل عقد المغارسة في كلام من استشكل في بطلانها مستدلاً بامثال هذه الاية. فانّ عقد المغارسة لم يثبت تجويزه في الشرع بنصّ حتي يندرج هذه فيه. و توهم كونه من المساقات بعيد.

 

و ثانيا: ان دخول الصلح الابتدائي و الشركة المذكور، في مطلق الصلح و الشركة المجوزتين، ممنوع. فالاولي ان يستدل بذلك الاطلاق[27] و لا حاجة الي الاستدلال بهذه الاية. مع انهم ذكروا في تعريف الصلح «انه عقد شرّع لقطع التجاذب» و كلما ورد فيه من الاية‌ و الاخبار، ايضا ظاهرة فيه. و لم يثبت في الصلح و الشركة، حقيقة شرعية، و لا عرف خاص، [حتي] يُحملَ كلام الشارع عليه. فدخول ذلك في اطلاق الصلح، محل الكلام. اذ هو انما يتم لو ثبت وضعه لما يشمل ذلك. و كذلك الشركة المذكورة. و كذلك ساير المواضع المختلف فيها.

 

فعلم ان مرادهم بالاستدلال بعموم الاية، من جهة انه عقد. لا انه من جملة هذا العقد الخاص. و من جميع ما ذكرنا ظهر ان حمل الاية علي جميع العهود الموثقة، اولي. سواء كان من العقود المخترعة بين العباد، و سواء كان من العقود المتداولة في الفقه و غيرها. و سواء ورد التجويز فيها بنص خاص او عام، اولا[28]. و سواء كان من عهد الله الي عباده في عالم الذّرّ حيث قال «الست بربكم» من الايمان به و باوليائه. او في عالم التكاليف الظاهرية من الايمان و تحليل الحلال و تحريم الحرام و فرض الفرايض و الحدود و الاحكام. و سواء كان مما عهده العباد الي الله تعالي؛ من النذر و الاَيمان و العهود. او عهده العباد بينهم من المعاملات و المعاوضات و يكون ذلك تاسيساً للاحكام و ان كان من باب التناسي فيما بناه.

و يظهر ذلك من كلام المحقق الطبرسي(ره) في مجمع البيان حيث ذكر اولاً ان المراد بالعقود، العهود. و نقله عن ابن عباس و جماعة من المفسّرين. ثمّ نقل اقوالاً‌ اربعةً في معني العهود:

 

الاول: ان المراد بها، العهود التي كان اهل الجاهلية عاهد بعضهم بعضا علي النصرة و الموازرة و المظاهرة علي من حاول ظلمهم او بغاهم سوءاً و هو الحلف[29]. عن ابن عباس و جماعة من العامّة.[30]

 

الثاني: ان العهود التي اخذ الله سبحانه علي عباده بالايمان به و طاعته فيما احلّ لهم او حرّم عليهم. نقله ايضا عن ابن عباس، قال و في رواية اخري قال: هو ما احلّ و حرّم و ما فرض و حدّ في القران كلّه [اي] فلا تعتدوا و لا تنكثوا. قال: و يؤيّده [قوله] «الَّذينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ميثاقِه»[31] الي قوله تعالي «سُوءُ الدَّارِ»[32].

 

الثالث: ان المراد بها العقود التي يتعاقدها الناس بينهم [و] يعقدها المرء علي نفسه؛ كعقد الاَيمان و عقد النكاح و عقد العهد و عقد البيع و عقد الحلف. عن ابن زيد و زيد بن اسلم.

الرابع: ان ذلك امر من الله لاهل الكتاب بالوفاء بما اخذ به ميثاقهم من العمل[33] بما في التورات و الانجيل في تصديق نبيّنا(ص) و ما جاء به من عندالله. و نقله عن ابن جريح و ابي صالح. ثم قال و اقوي هذه الاقوال، قول ابن عباس ان المراد بها عقود الله التي اوجبها علي العباد في الحلال و الحرام و الفرايض و الحدود. و يدخل في ذلك جميع الاقوال الاُخر، فيجب الوفاء بجميع ذلك الاّ ما كان عقداً في المعاونة علي امر قبيح، فان ذلك محذور بلا خلاف.

 

و يظهر منه ان الاية تدل علي صحة كل عقد يخترعه العباد بينهم. سيما علي القول بدخول عقد اهل الجاهلية. بل و لزومه الاّ ما كان معاونة علي قبيح. و ظاهر الاستثنا‌ء انه متصل. و لا ريب ان الله تعالي لا يجوّز القبيح الاّ ان يقال مراده القدر المشترك من تلك العقود المرخص فيها في القرآن (مثل البيع و النذر و نحوهما) و المستثني هو المحرّم منها (بسبب فقد شرط او وجود مانع) و ان صدق عليها تلك المفاهيم. و لكن لا يناسب ذلك دخول القول الاول، في قول ابن عباس الاخر الذي اراده. مع ان اطلاقات العهد المرغوب اليه بالقرآن، يشتمل علي كل عهد من حيث انه عهد. و هو لا يستلزم كونه العنوانات المتعارفة. مثل قوله تعالي «وَ الَّذينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُون»[34]، فيرجع الي ما ذكرنا من حسن الوفاء بكل عهد. و لم يثبت في لفظ العهد، حقيقة شرعية في المعني المتعارف الذي هو مذكور مع النذر و اليمين. و بالجملة: فكلامه لا يخل من المسامحة بل السماحة.

 

و كذلك يظهر من المحقق الاردبيلي(ره): قال «الوفاء و الايفاء، القيام بمقتضي العهد. و العقد، العهد الموثق المشدّد بين اثنين. فكل عقد، عهد. دون العكس، لعدم لزوم الشدة و الاثنينية. قال في الكشاف: العقد، العهد. و هي عقود الله تعالي عهدها علي عباده و الزمها اياهم[35]. من مواجب التكليف» الي اخره. [و قال:] «و يحتمل كون المراد العقود الشرعيه الفقهيه؛ و هل المراد اعم من التكاليف و العقود التي بين الناس و غيرها كالايمان؟ فالايفاء بكل واجب؟ فالاية دليل وجوب الكل، فمنها يفهم ان الاصل في العقود، اللزوم» انتهي.

و قد يتوهم المنافاة بين اخر كلامه لاوّله. و ليس كذلك. لان مراده من مقتضي العقد في اول كلامه، مدلوله. لا الجواز و اللزوم، حتي يقال انه يتفاوت بتفاوت العقود لزوماً و جوازاً كالبيع و الشركة.

و قال في الصافي بعد ذكر الاية: القمّي عن الصادق عليه السلام:‌ اي بالعهود. ثمّ قال «اقول: الايفاء‌ و الوفاء بمعني. و العقد العهد الموثق. و يشمل هيهنا كلّ ما عقد الله علي عباده و الزمه ايّاهم من الايمان به و بملائكته و كتبه و رسله و اوصياء رسله و تحليل حلاله و تحريم حرامه و الاتيان بفرائضه و سننه و رعاية حدوده و اوامره و نواهيه و كل ما يعقده المومنون علي انفسهم لله و فيما بينهم من عقود الامانات و المعاملات الغير المحظورة»[36]  انتهي.

اقول: ان اراد من الغير المحظورة،‌ ما لم يرد به نهي و ان لم يرد شرعيته ايضا، فيتم جعل الاية موسّسة للحكم الابداعي في كل عقد ما لم يرد صحته بالخصوص من الشارع. و ان اراد منه المجوَّزة، فلا. انما هو ترغيب. فيكون من باب الارشاد و الامر بالمعروف.

و قال البيضاوي: «الوفاء هو القيام بمقتضي العقد، و كذلك الايفاء. و العقد العهد الموثق. قال الخطيئة:

قوم اذا عقدوا عقداً لجارهم



شدّوا العناج و شدّوا فوقه الكربا

 و اصله،‌ الجمع بين الشيئين بحيث يعصر الانفصال. و لعل المراد بالعقود ما يعم العقود التي عقدها الله تعالي علي عباده و الزمها ايّاهم من التكاليف و ما يعقدون بينهم من عقود الامانات و المعاملات و نحوها مما يجب الوفاء به و يحسن. ان حملنا الامر علي المشترك بين الوجوب و الندب»[37].

اقول: و في كلامه تهافت. لان قوله «مما يجب الوفاء» الي آخره، ان كان بياناً لمجموع ما سبق. فلا يلائم كلمة «الزمها» سابقاً. و ان كان[38] المراد بالالزام، ايجاب العمل علي مقتضائها (ففي بعضها بالوجوب كالايمان و الصلوة و الزكوة. و في بعضها بالندب كالعبادات المندوبة. و الحاصل انّه الزم عباده اعتقاد الوجوب في الواجب و اعتقاد الندب في المندوب و الاباحة في المباح و هكذا) فلا يتمّ. فلذا حملنا الامر علي المشترك لصحة الحمل علي الوجوب بالمعني المتقدم.

و الي ذلك ينظر كلام الزمخشري حيث قال (بعد ما نقلنا عنه علي ما نقل منه): ان هذه الاية كلام قد تمّ مجملا ثم‌ عقّب بالتفصيل، و هو قوله «أُحِلَّتْ لَكُمْ»[39] الاية. و هي اشارة الي بعض تفصيل العقود.

و قال في مجمع البيان قبل الشروع في تفسير[40] المائدة: «لما ختم الله سورة النساء بذكر الاحكام الشرعية، افتتح سورة المائدة ايضا ببيان الاحكام و اجمل ذلك بقوله: اوفوا بالعقود. ثم اتبعه بذكر التفصيل». فان احلال الانعام ليس من الامور التي يتصف بالوجوب. فالايفاء‌ الواجب بمثله، هو اعتقاد حلّ اكلها. و نحو ذلك. فان كان بياناً لعقود الامانات الي آخره، مثل الدين و البيع و الوعد، علي المشهور. فلا يلائم السبك، و لا مرجح لاختيار التفصيل فيها دون التكاليف. مضافا الي صحة الحمل علي الوجوب بالمعني المتقدم. مع انّ حمل الهيئة علي القدر المشترك، ليس باولي من التجوز في المادة، بارادة العمل علي مقتضي العقود الجواز. بل الظاهر انه لا يجوز فيه.

و العمدة بيان الاستشهاد بكلامه فيما نحن فيه، و هو لا يتمّ الا بارادة ما لم يرد فيه نهي من الشارع.

و اما ان كان المراد[41] ما اُمر به علي وجه الندب (كما هو مناسب لمذهبه) فلا يتمّ الاستشهاد ايضا. و في استشهاده بشعر الخطيئة، نظر ظاهر، و هو غريب من مثله و لكنّه سهل.

و عن الراغب: العقود باعتبار العقود و العاقد، ثلاثة اضرب: عقد بين الله و بين عباده. و عقد بين الله و نفسه. و عقد بينه و بين غيره من البشر. ثم قال (بعد كلام طويل لا طائل في ذكره) و ظاهر الاية يقتضي كل عهد سوي ما كان تركه قربة او واجبا.

ثمّ انك يمكنك الاستيناس بما ذكرنا بوجه عدم الوفا بالوعد (كما هو المشهور بين الاصحاب و ان ورد بوجوبه رواية صحيحة[42]) و بوجه عدم لزوم[43] المعاطاة و ان قلنا بتسميته بيعا. و به يشير اضافتهم العقد الي البيع، و ما تقدم من كلام الجوهري في عقد البيع. اذ ليس فيهما ميثاق. فانّ الصيغة بمنزلة التوثيق، في البيع و النذر و العهد المصطلح و غيرها[44]. و كذلك يمكن الحكم بلزوم كل معاوضة مالية حصل العقد فيه و جري الصيغة؛ كما لو عاوض فرساً‌ ببقر، او ضيعة ببستان. فان اندراجها في البيع و ان امكن بجعل احدهما ثمنا و الاخر مثمنا، و يكون الثمن ما دخل عليه حرف الباء و لكن لما كان الغالب انّ الثمن انما هو من النقود (في غير بيع الصّرف من بيع ساير الاجناس) فسلب اسم بيع في العرف (حيث اذا قيل لمن عامل فرسه ببقر «هل بعت فرسك؟» يقول «لا بل عاوضته ببقر») مبنيّ علي هذه الغلبة. و الاّ فالظاهر انّه بيع و يجوز ادخال الباء‌ علي كل منهما. و يكون صدور[45] القبول بعد الايجاب من احدهما، و لا يلزم ان يقول الاخر ايضا «عاوضت بقري بفرسك».

و ان شئت جعلته من اقسام البيع. اذ لا يجب ان يكون الايجاب بلفظ البيع و الشراء. بل يجوز بكل ما يفيد التمليك. و ان شئت جعلته معاملة برأسها ثابتة صحتها و لزومها بعموم «اوفو بالعقود». فيحمل مثل قوله تعالي «وَ الَّذينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُون»[46] علي مطلق العهد و ان لم يكن موثقاً، من جملة ذلك الوعد. هذه الاية لا تدلّ الاّ عل مدح المومنين بهذا الوصف. و مثل قوله تعالي «وَ الَّذينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ميثاقِهِ»[47] الي قوله تعالي «سُوءُ الدَّار»[48]، علي[49] العهود الموثقه (كما هو صريح الاية) كالعقود. بل في الاية اشارة الي عدم وجوب الوفاء بمطلق العهد. لانّ مفهوم الاية انّه ليس سوء الدار اذا لم يكن هناك ميثاق.

المقدمة الثانية: في تحقيق قوله(ع): «المؤمنون عند شروطهم»، و استدلال العلماء به في اثبات لزوم العقود و الشروط.

و التحقيق انه يمكن الاستدلال به علي وجوب الوفاء بالشروط المذكورة في ضمن العقود. فان المراد بالشرط، لابد ان يكون هو مطلق الالزام و الالتزام. لتوافق استدلالهم بهذه الرواية في جميع الموارد، لا خصوص ما ينتفي المشروط بانتفائه، كما في صور التسلط علي الفسخ. لانه لا يجري في كثير من موارد الشرط الذي لا يقولون فيه بالخيار، كاكثر شروط النكاح و لا [في] كل واحد من المعيّنين علي البدل. لعدم جوازه علي التحقيق. و علي هذا فيتمّ الاستدلال في جميع العقود المستلزمة هذا[50].

 

و هذه الرواية وردت بطريق العامة و الخاصة: اما الاول: فبهذه العبارة: «المومنون عند شروطهم الاّ كل شرط خالف كتاب الله». و في بعضها «المومنون عند شروطهم الاّ‌ من عصي الله». و قد[51] يستشكل في دلالتها علي الوجوب. و ربما يحمل علي الاستحباب، و لا وجه له. كما بيّناه في رسالتنا المكتوبة في «مسئلة الشرط في ضمن العقد»، فان الظاهر من الجملة الخبرية، الوجوب. يعني لابد ان يكون المومن ثابتا عند شرطه و ادائه[52]. نظير «جَعَلْنا حَرَماً آمِنا»[53] يعني مكانا يجب ان يكون مأمنا و لا يحدث فيه احد بحادث. و لا يصح حمله علي الوصف و لا المدح مثل «كانُوا قَليلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ- وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون»[54] و مثل قوله(ع): «المومن غرّ كريم»[55]. سيمّا مع ملاحظة قرينة آخره و هو «المنافق خب لئيم»[56].

[و] لمنافاته ظاهر الاستثناء. فان المؤمن لا ينبغي ان يشرط ما يخالف الكتاب حتي يكون من صفته عدم الوفاء به. و مقتضي الحمل المذكور، انه يشترط المخالف لكن لا يفي به. و هو كما تري. و اما لو حمل علي الوجوب، فلا خرازة فيه. مع ان في كثير من الروايات: «المسلمون عند شروطهم»، و الحمل المذكور فيه اضعف. مع [انّ] قوله(ع): «الاّ‌ من عصي الله» في الروايات الاخيرة علي تقدير ارادة المدح، مستثني متصل من المؤمنين، و مقتضاه لزوم العصيان بمخالفة الشرط. و هو معني الوجوب. و كذلك لو اريد به الحكم، و هو جعل المستثني منقطعاً و اريد به «الاّ من عصي الله بالشرط» بانْ شرط ما خالف الكتاب. فهو ايضا لا يناسب المدح و يرد عليه ما سبق. و لا خرازة فيه اذا اريد الحكم.

 

هذا، مع انّ فهم الفقهاء عصراً بعد عصر (في جميع ابواب الفقه) اعظم شاهد علي ذلك. و لم نقف علي من قدح في ذلك. بل يظهر من تاويلهم بعض الاخبار المذكور فيه هذا اللفظ في بعض الشر[و]ط، و حملهم علي الاستحباب [مع] ان الاصل فيه الوجوب. مثل موثقة منصور بن يونس عن ابي الحسن(ع) الدالة علي لزوم العمل بمقتضي شرط الزوج لزوجته ان لا يطلّقها و ان لا يتزوج عليها، مستنداً الي قول رسول الله(ص) المسلمون عند شروطهم. فان الشيخ حملها علي الاستحباب[57].



[1] فتّ في عضده: اي كسر قوّته- الفتّ: النحيف، ضدّ السّمين.

[2] آيه 1، سوره مائده.

[3] و في النسخة: الجواز.

[4] و في النسخة: لا احدها.

[5] و في النسخة: المقابل.

[6] آيه 34،‌ سوره اسراء: أَوْفُوا بِالْعَهْد

[7] آيه 7، سوره انسان.

[8] و في النسخة: غيرهما.

[9] و في النسخة: فيعدّ.

[10] و في النسخة: في معرفة.. .

[11] و في النسخة: و لما- و لها وجه.

[12] و في النسخة: و بيان محتملات الاية امور.

[13] و في النسخة: و الال.

[14] الوسائل، ج21 ص276.

[15] و في النسخة: و صحيحة الشارع.

[16] آيه 27، سوره بقره.

[17] آيه 29، سوره نساء.

[18] و في النسخة: فانها ممنوعة راساً.

[19] و في النسخة: في تجارة.

[20] آيه 78، سوره اسراء.

[21] آيه 43، سوره بقره.

[22] و في النسخة: الركوع.

[23] و في النسخة: الامرون.

[24] و في النسخة: و هو الذي.

[25] و في النسخة: من تساوي.. .

[26] و في النسخة: لعموم هذه الاية.

[27] اي باطلاق لفظ العقد، لا باطلاق لفظ الصلح و الشركة.- بذلك الاطلاق، لا بهذا الاطلاق.

[28] لقد اعطي اللهُ المصنف(ره) نبوغاً و استعداداً خاصاً. يستنتج من الادلة و القواعد، جواز عقد مستحدثة مخترعة، قبل ان يري العقود المستحدثة مثل «السرقفلية» و «البيمج» و امثالهما. و هذا هو الاجتهاد. الذي يُنبئ عن شماخة الاسلام و شموخ اغصانه و شموله لعامة ما يحتاج اليه الانسان ما دام في الوجود الدنيوية. و يهدي كل عقل دقيق و عالم محقق، الي عظمة كيان هذا الدين القويم، و كيف لا، و هو ناسخ الاديان، و متمّمها و خاتمها. و المجتهد كذا، يستحق ان يلقّب بآية الله.

[29] و في النسخة: او بقاهم و سواء و هو الحق.

[30] و الجماعة: المجاهد و الربيع بن انس و الضحاك و قتاده و السّدي. راجع المجمع، ذيل الآية.

[31] آيه72، سوره بقره.

[32] آيه 25، سوره رعد و آيه 52، سوره غافر.

[33] و في النسخة: بالعمل. راجع المجمع.

[34] آيه 8، سوره المؤمنون و آيه 32، سوره المعارج.

[35] و في النسخة: ايّاه.

[36] تفسير الصافي، ذيل الآية (1- مائدة)، ج2 ص5 ط، دارالمرتضي.

[37] انوار التنزيل، ذيل الآية (ا- مائدة) ج1 ص260 ط مكتبة البابي.

[38] و في النسخة: قال ان.

[39] آیة1، سورة مائده.

[40] و في النسخة: تفصيل.

[41] عطف علي «و ان كان المراد» عند نقد كلام البيضاوي.

[42] الوسائل، كتاب الحج، ابواب احكام العشرة، ب109 ح5- او: كتاب الجهاد، ابواب جهاد النفس، ب4 ح21.

[43] و في النسخة: بعدم وجه لزوم.. .

[44] و في النسخة: غيرهما.

[45] و في النسخة: و يكي صدور.

[46] آية 8، سورة مومنون و آية 32، سورة معارج.

[47] آية 25، سورة رعد.

[48] آية 25، سورة رعد.

[49] و في النسخة: و علي.

[50] و في النسخة: و هذا.

[51] و في النسخة: في اخر و قد.. .

[52] و في النسخة: لفظان بعنوان البدل: اما به- ادابه.

[53] آية 67، سورة عنكبوت.

[54] آية 17 و 18، سورة الذاريات.

[55] الوسائل، ج12 ص18.

[56] و في النسخة: قرينة الاخري و هو- نسخة البدل: قوله.

[57] الوسائل، كتاب النكاح، ابواب المهور، ب20 ح4.