كتاب الطلاق: هذه رسالة‌، في انفراد مسئلة الطلاق بعوض، عن الخلع. (6)

اقول: و لا يخفي ان المحقق(ره) ذكر اولاً‌ ان صيغة الخلع ان يقول «خلعتك علي كذا»‌ او «فلانة مختلعة علي كذا»‌. ثم قال و يقع الطلاق مع الفدية بائناً و ان انفرد عن لفظ الخلع. مشيراً الي انه يكفي في صيغة الخلع لفظ الطلاق بعوض، منفردا عن لفظ الخلع. ثم ذكر في شرائط الخلع حصول الكراهة من الزوجة. ثم قال في احكام الخلع «لو خالعها و الاخلاق ملتئمة، لم يصح الخلع، و لم يملك الفدية. و لو طلّقها و الحال هذه بعوض، لم يملك العوض و صح الطلاق و له الرجعة»[1]. و من تامل في هذا الترتيب، يعلم ان مراد المحقق انه لو اوقع الخلع بلفظ المخالعة مع عدم كراهة الزوجة، بطل[2] الخلع و لا يصحّ البذل و يسقط حكم اللفظ راساً. بخلاف ما اوقع الخلع بلفظ الطلاق بعوض، فانه حينئذ و ان كان يبطل الخلع و لا يملك العوض و لكن لا يسقط حكم اللفظ راسا،‌ بل ينصرف الي الطلاق الرجعي. نظير ما لو لم يذكر الاجل في عقد المتعة. حيث افتي الشارع بانقلابه دواماً. كما دلّ عليه الرواية. فظهر من ذلك انه ليس مراد المحقق و من وافقه من الاصحاب ان مطلق الطلاق بعوض، مشروط بكراهة الزوجة مطلقا حتي في غير ارادة الخلع. يعني انحصار مصداقه في الخلع.

 

بل لعل مراده:[3] ان المصنف و الجماعة جعلوا الطلاق بعوض، المأتيّ به لايقاع الخلع، هو خلعا. حتي ان الشيخ في المبسوط جعل الطلاق بعوض خلعا صريحا، حيث جعل الخلع بلفظ الطلاق بعوض، طلاقا صريحا. و جعل الخلاف فيما كان بلفظ الخلع، هل هو طلاق ام لا؟-؟ و مقتضي ذلك كون هذا الطلاق بعوض، الخاص، خلعا، لا مطلقا.

 

ثم: قوله «و هذا ان كان اجماعياً، فهو الحجة في حكمه. و الاّ فلا يخل عن اشكال»[4]؛ يعني ان ما ذكره المصنف و الجماعة، من بطلان كونه خلعا و عدم صحة البذل و رجوع الطلاق الي الرجعي، لا دليل عليه. بل مقتضي اشتراط كراهة الزوجة في الخلع، سقوط اعتبار هذا اللفظ رأساً. و لو سلّمنا كونه من باب اسقاط ذكر الاجل الذي هو شرط صحة عقد المتعة. فلابد ان يرجع الخلع (فيما نحن فيه لاجل فقد شرطه و هو كراهة المرئة) الي مطلق الطلاق بعوض، بملاحظة ان انتفاء الفصل القريب يستلزم بقاء الجنس القريب، لا الجنس البعيد (و هو مطلق الطلاق) حتي يرجع الي الرجعي. بل يبقي الجنس القريب[5] و هو الطلاق بعوض.

 

و حينئذ نقول انه لا يشترط فيه الكراهة مطلقاً. فلم لم يصح البذل؟ الا ان يكون اجماع علي تخصيص القاعدة المقتضية لصحة البذل (في الطلاق بعوض، في غير الخلع، الصحيح بدون كراهة الزوجة) بصورة يحصل في قالب الخلع الباطل من حيث كونه خلعا. [حتي] يستلزم اسناد الشهيد الثاني الي الاصحاب، اشتراطهم الكراهة في مطلق الطلاق بعوض. كما تُوهّم.

 

هذا اذا جعلنا الشرط في صحة الخلع هو حصول الكراهة من جانب المرئة في نفس الامر. و ان جعلنا الشرط هو اظهار الكراهة هنا بالالفاظ المذكورة في الاخبار المستفيضة، فالامر اظهر، بل حمل كلامهم علي [هذا] متعين. فالمراد من قول المحقق و الجماعة انه اذا خالعها بلفظ الخلع و الاخلاق ملتئمة، بمعني عدم اظهار الكراهة، فيبطل الخلع و لم يملك الفدية لانتفاء شرط الخلع. و كذا لو خالعها بلفظ الطلاق بعوض، لم يصح الخلع و لم يملك الفدية و لكن يصير الطلاق رجعيا. ثمّ تقرير ايراد الشهيد الثاني عليهم، لا يحتاج الي الاعادة.

و فيما ذكرنا اخيراً، ايضا تنبيه علي انه لا حاجة الي ما تكلّفه الشهيد الثاني في بيان معني التيام الاخلاق، حيث فسّره بعدم الكراهة في نفس الامر. لعدم الحاجة اليه. بل و عدم مناسبته لما استفيد من الاخبار و الفتاوي. و تنبّه هو(ره) في اخر كلامه، حيث جعل الاقوي لزوم اظهار الكراهة و اشتراط[ـه] في صحة الخلع.

 

و بذلك يُندفع ما يُتوهم ان كلامه مضطرب لعدوله من البتّ في الحكم والفتوي كما [اكتفي] سابقا الي مجرد الاستشكال. [و افتي] هنا. اذ الاستشكال انما هو في موضع خاص؛ و هو ما اريد به الخلع في الظاهر. و حاصل الاشكال ان لفظ الطلاق اذا اعتبر في صحة الرجعي مع كونه مشروطا بعدم انضمام البذل، و بكونه مقصودا بلا عوض. فكيف لا يعتبرون مدلوله المطابقي و لا يحملونه علي مطلق الطلاق بعوض.

 

و كذلك يندفع ما يقال: ان قوله(ره): «و ظاهر حال الطلاق بعوض انه مغاير له.. الخ» حال عما يقول عليه في مقام الاستدلال. اذ ايّ ظهور و ايّ حال و ايّ مقام في الباب، بل لا اقبل شيئ منها بلا ارتياب. لان مراده(ره) ان ظاهر لفظ الزوج في هذا المقام مقتضاه ذلك. اذ لفظ الطلاق بعوض، ظاهر في غير ارادة الخلع حيث عري عن القرينة و خصوص المقام. فاذا كنت تعتبر لفظ الطلاق في هذا المقام و تجعله رجعيا، فلِمَ لا تعتبر الطلاق بعوض، و لا تحمله علي غير الخلع. فهو(ره) باق علي اصله. الاّ فيما حكم بكونه خلعا، و هو فيما ظهر [فيه] الكراهة من الزوجة، و ان شاركه في بعض الاحكام و هو اجراء‌ حكم الخلع عليه اذا ظهر الكراهة منها و غير ذلك من الاحكام.

و ان اَبيت عن ذلك، قلتُ:[6] انه حَملَ قول المحقق «و لو طلّقها.. الخ» علي الاطلاق و لم يرد خصوص ما اريد به الخلع. فهذا غفلة من الشهيد الثاني؛ حيث حمل كلامهم علي الاطلاق و وقع في الاشكال و ذكر ما ينافي ما تقدم منه من تقسيم المفارقة بعوض، الي الاقسام الثلاثة بلا اشكال، و لا نُقل خلاف. [فـ]وجب ان كلامه[7] هذا مناف لما تقدم منه من عدم ظهور خلاف فيما ذكره من التقسيم. و لكنه بعيد سيما من مثله.

 

نعم يؤيد هذه [الغفلة][8] ما سيذكره بعد ذلك في المباراة؛ حيث انه بعد قول المحقق «و لو اقتصر علي قوله انت طالق بكذا، صح و كان مباراةً. اذ هي عبارة عن الطلاق بعوض، مع منافاة بين الزوجين». قال: «قد عرفت فيما تقدم ان الطلاق بعوض، اعم من الخلع و المباراة،‌ فيصح التعبير به عن كل واحد منهما و يتميز عن الاخر بالقصد. فاذا كانت الكراهة منهما، يقول انت طالق بكذا، بقصد المباراة. و اشترط في صحته شروط المباراة. و ان كانت الكراهة منها[9] و اراد الخلع بهذا اللفظ، لحقه احكام الخلع. و لو اتي به لا بنية احدهما بل اراد مجرد الطلاق بعوض، ففي اعتبار مراعاة حالهما (في الكراهة منهما [ا]و منها، و الحاقه بما يقتضيه الحال، فيلحقه شرائطه و صحته مطلقا) نظر. و ظاهر كلامهم انحصاره فيهما[10] و اعتبار مراعاة الحال فيه. و عندي فيه نظر. و قد تقدم الكلام علي مثله في الخلع. و لو قيل بصحته مطلقا حيث لا يقصد به احدهما، كان وجهاً. لعموم ما دلّ علي جواز الطلاق مطلقا، و عدم وجود ما ينافي ذلك في خصوص البائن»[11] انتهي كلامه(ره).

ولا يخفي ان في كلامه(ره) قصوراً‌ في تأدية المراد، فلنحرّر اولاً مقصوده، ثمّ نتعرّض الي بيان تاييده لما ذكرنا من الغفلة.

 

فنقول: ان مراده ان الطلاق بعوض، اعم من الخلع و المباراة و من غيرهما، فيصح التعبير به عن كل واحد منهما و من غيرهما. و يتميّز كل واحد من الثلاثة عن الباقي بالقصد. و اذا تميّز بالقصد، فيلاحظ شرائطه المقصودة. و في كل ما قصد من الثلاثة اذا تحقق شرائطه، فيلحق به. ففي كل موضع تحقق الكراهة منها[12] فقط، و اظهر[ت] الكراهة علي الوجه المعهود فيه، و قصد به الخلع، فيصير خلعا. و كل موضع [تحقق الكراهة منهما و قصد به المباراة، فيصير مباراةً. و كل موضع]‌ لم يتحقق شيئ من شرائط الخلع و المباراة، و قصد الطلاق بعوض، الذي هو غيرهما، فيصير طلاقا بعوض مغايراً لهما.

 

و قد سامح في ذكر هذا القسم. اذ هو ليس بداخل في قوله بعد ذلك «و لو اتي به لا بنية احدهما، او عدم النية، [او] بنية العدم. [و عدم النية] غير نية العدم. و النية انما يتحقق بنية العدم [ايضا] كما لا يخفي[13].

 

و حيث تمّ الكلام في صورة القصد الي المواضع الثلاثة و نيتها، شرع في بيان حكم ما لو لم يُقصد شيئ من الثلاثة بالخصوص. و قال: «و لو اتي به لا بنية بل اراد مجرد الطلاق بعوض» يعني القدر المشترك بين الثلاثة (لا الطلاق بعوض، المجرد عن قصد الخلع و المباراة فقط) و مراده الاتيان به مطلقا، يعني سواء كان في موضع يمكن تحقق الخلع و المباراة، او لم يمكن تحقق الخلع و المباراة [ا]و لم ينوهما، او لم يمكن.

ثم قال: «ففي اعتبار مراعاة حالهما.. الخ»، يعني ان هنا احتمالين: احدهما: ان يعتبر الموافقة الاتفاقية؛ بان يكون المقام مقام تمكّن الخلع او المباراة و غيرهما و لكن لم ينو شيئاً من الثلاثة. فقال ان الطلاق بعوض [يتصور في ثلاث مقامات]: مقام يصح فيه نية الخلع. و مقام يصح فيه نية المباراة. و مقام يصح فيه نية غيرهما[14]. فيحمل الطلاق بعوض، علي كل ما يناسب المقام و ان لم ينوه. فسامح هنا ايضا في ذكر القسم الثالث.

و ثانيهما: الحكم بصحته مطلقا؛ يعني لا يُلاحظ المقام و لا يُتبع في وصف الطلاق بشيئ من الثلاثة، بل يحكم بصحته لمّا[15] كان علي مراتب تحققه، هو الطلاق بعوض. الذي لا يكون خلعا و لا مباراة و ان وافق شرائط تحققهما[16] في الخارج بحسب الاتفاق. و قال في اختيار ايّ الاحتمالين، نظر.

و قال: كلامهم: ان الطلاق بعوض منحصر فيهما، و انّ في صورة عدم النية[17] يعتبر مراعاة الحال؛ فان وافق الطلاق بعوض، موضعاً يمكن فيه الخلع فيلحق به. و ان وافق موضعا يمكن فيه المباراة فيلحق به. و ان لم يكن موضعا بشيئ منهما فيبطل، لانحصار الطلاق بعوض عندهم فيهما. ثم استشكل في كلامهم و استوجه الصحة مطلقا. و لم يعتبر الموافقه الاتفاقية. اذ المعيار هو النية، و هو مقصود بالفرض. و اللفظ مطلق و يتحقق في ضمن اقل الافراد، شرطاً و احكاماً. و استدلّ علي الصحة بعموم ما دل علي جواز الطلاق مطلقا. و ليس فيها قيد بكونه مجرداً عن العوض، او في ازاء عوض. و عدم وجود ما ينافي ذلك في خصوص البائن.

 

و الظاهر انّ تمسكه بالعموم (لدفع الانحصار الذي نسبه الي المشهور. و بعدم وجود ما ينافي ذلك، في خصوص البائن) منع الدليل علي اعتبار مراعاة الحال. يعني كون المقام مقام امكان تحقق البائن من الخلع او المباراة مع عدم نيتهما، لا يوجب حمل الطلاق عليهما. و ليس هنا شيئ اخر ينافي صحة الطلاق المندرج تحت العمومات. فيصح الطلاق بعوض و ان كان المقام قابلاً للخلع و المباراة. كما انه يصح الطلاق الرجعي ايضا علي القول بعدم وجوب الخلع فيما اجتمع شرائط الخلع.

 

و اما وجه التاييد للغفلة: فهو ما نسب الي الاصحاب اخيراً من الانحصار. فان هذه النسبة ليست بمنحصرة فيما طلبت الزوجة تحقق الخلع [او] المباراة مثلا.

 

اعلم: ان عبارة المحقق هذه ايضا من العبارات الشاهدة[18] علي تحقق فرد من الطلاق بعوض، لم يكن احد الامرين. اذ لو قلنا بانحصاره فيهما يلزمنا القول بكون لفظ «طالق بكذا» منقولاً الي القدر المشترك بين الامرين، و الاصل عدمه. و آتي لك باثباته [بـ]بيان ذلك: انه استدل بصحة المباراة بهذا اللفظ انها فرد من الطلاق بعوض، فيندرج في مدلول لفظ «طالق بكذا». اذ لا يتمّ الاستدلال الاّ بذلك. و هو انّما يتمّ اذا كان مدلوله الحقيقي هو القدر المشترك بين امور يكون المباراة احدها. و الوضع اللغوي لهذا اللفظ لا يقتضي الاّ الاعم منهما و من غيرهما، لا هما فقط[19]. و الحال ان الاستدلال هنا مبتن علي دلالة اللفظ، لا علي كون ايّ الافراد من المدلول صحيحا شرعا و ايّها[20] غير صحيح.

اذا تقرر هذا، فلا يخفي عليك ما في كلام هذا القائل من الاضطراب الذي يقضي منه العجب. و انه مراده في صدر المقال من «الفرقة الحاصلة بعوض» ان كان الاعم من الخلع و المباراة، فكذلك المراد من الخلع اعم منهما. كما هو احد مستعملاته. فلا يلائم قوله «عند من اكتفي به» اذ لم يكتف احد بالمباراة فقط. فلابد ان يكون مراده منها هو الفرقة الحاصلة بالخلع. و حينئذ فلا يصح اعترافه الاول من قوله لمنافاته لاطلاقهم. لانه فَرَض الشرطيتين في بيان اقسام الثلاثة، الخلع. فاين الاطلاق؟

فكذلك اعتراضه الثاني (من عدم مناسبته مع المقابلة بالخلع)، لا يلائم جعل الشرطيتين لبيان ما ذكر. لانّ عدم المناسبة انما يتمّ لو اريد من قولهم «لو خالعها»، مفهوم الخلع. [لا] لو اريد به ايقاع الخلع بلفظ الخاء و اللام و العين، الذي هو صيغته. و قد اعترف بان مرادهم، الثاني. و نحن ايضا لم نرد الاّ ذلك، فصح المقابلة. اذ هي انما وقعت بين صيغتي الخلع، لا بين مفهوم الخلع و احدي صيغتيه. فلا اعتبار عليه. و كذلك اعترافه بانه اذا كان الطلاق بعوض، [يصدق] عليه انه طلاق صحيح واجد بشرط[21]، و فاقد شرط الخلع، فيكون صحيحا. فلا وجه لحكم هؤلاء الاعلام ببطلانه و وقوع الطلاق رجعيا، او فاسداً.

و اما اعتراضه السابق علي هذا، من انه «لا دخل بقصد الخلع المعهود.. الخ»، فلا يخفي ان [المراد] استقلاله بنفسه [و] تحققه في غير الخلع و في غير صورة كراهتها. لا بمعني انه لا يجزي عن الخلع، اذا [لم يكن] الكراهة منها، فقط[22].

فمرادنا ان بطلان البذل و حرمة العوض، انما هو اذا قصد به الخلع في حال تلائم الاخلاق. لان المستفاد من كلماتهم في الحدود و غيره معد سيرته مع الخلع. فلا يصح اطلاق بطلان البذل مع تلائم الاخلاق الاّ مع قصد الخلع المعهود. و انما اعتبرنا ذلك، لرفع المنافات.

و ايضا: اذا قلنا ان الطلاق بعوض، منحصر في الخلع و المباراة (كما ادعاه)، فمفهوم الشرطية الثانية، صحة البذل مع عدم تلائم الاخلاق. فان كان من جانب المرئة فقط، فخلع صحيح. و ان كان منهما، فمباراة صحيحة. و حينئذ فلا وجه للتعرض لبيان شرط المباراة في قالب الطلاق بعوض، دون ما كان بلفظ المباراة. و كما انهم ساقوا الشرطية الاولي لبيان حكم الخلع فقط، فلابد ان يكون الثانية ايضا فيما كان المراد من الطلاق بعوض، الخلع. او يصرحوا بحكم المباراة الصريحة. كما صرحوا بحكم الخلع.

و ان تعسفت و قلت: ان المراد بالشرطية الاولي ايضا حكم القدر المشترك بينهما، اذ قد يطلق الخلع علي الاعم منه و من المبارات.

فنقول: (مع كمال بُعد ذلك عن المقام، لان المقام مقام بيان الخلع)، فيه: ان المراد من الخلع لابد ان يكون الخلع المجرد عن الطلاق. و الاّ فلابد ان يرجع الي الرجعي مع تلائم الاخلاق. لا ان يكون باطلا. فاذا فرض البحث في الخلع المجرد، فلابد ان يكون البحث في المباراة ايضا مجردة عن الطلاق. و هو باطل بالذات و لا يحتاج في اثبات البطلان الي التمسك بانتفاء الكراهة. مع ان البحث انما سيق[23] لذلك. فظاهر ان المراد من الطلاق بعوض هو ما قصد به الخلع، لا غير.

و منهم الشهيد الثاني(ره) في المسالك و الروضة: اما في الروضة؛ فقال في شرح كلام المصنف حيث قال «و لو اتي بالطلاق مع العوض، اغني عن لفظ الخلع» ما هذه عبارته ممزوجة بالمتن: «و لو اتي بالطلاق مع العوض فقال انت طالق علي كذا، مع سبق سؤالها له، او مع قبولها بعده كذلك، اغني عن لفظ الخلع و افاد فائدته، و لم يفتقر الي ما يفتقر اليه الخلع من كراهتها له خاصة. لانه طلاق بعوض. لا خلع»[24] انتهي كلامه(ره).

و قد يقال: ان مراد المصنف(ره) هو الاغناء عن لفظه، لا الخروج عن حقيقته بشرائطه. فلا يصح حمل الشارح[25] كلامه علي مختاره.

اقول: ليس مراد الشارح(ره) ايضا ان مراد المصنف(ره) انه لو اتي بالطلاق بعوض في ازاء الخلع لا يشترط فيه كراهة الزوجة، و يخرج عن كونه خلعا و لكنه يفيد فائدته في البينونة و حلّية العوض فقط. فكيف يتفوّه بهذا عاقل فضلاً عن مثله(ره)؟! اذ المصنف(ره) في مقام بيان كفاية لفظ الطلاق بعوض عن لفظ الخلع في الموضع الذي يرد الخلع الذي لا ينفكّ مهيته عن العوض، و لا عن كراهة الزوجة فقط. و ان صيغة الخلع الذي اعتبر فيه كراهة الزوجة، لفظ «خلعتك علي كذا» مع الاتباع بالطلاق علي مختاره. و اما لو اتي في ازاء الخلع المذكور بلفظ «انت طالق علي كذا» فلا يحتاج الي اتباعه بالخلع. و لا مطلق ذكر الخلع. فكيف يمكن ان يكون مراده(ره) كفاية الطلاق بالعوض مع عدم كراهتها.

بل مراد الشارح(ره) تفسير معني الاغناء في كلام المصنف(ره) و التنبيه علي ان مراده من الاغناء، ليس ان الطلاق بالعوض مرادف للخلع. بل انها تفيد فائدته من باب استعمال الكلي في الفرد. واعتبار الكراهة من الزوجة انما استفيد من مقام الاستعمال و خصوصية المورد[26]؛ و هو ارادة ايجاد الخلع الذي لا ينفك مهيته عن الفدية و كراهتها فقط. فقوله «افاد فائدته» عطف تفسيري؛ اي الاغناء يعني انه ليس كفايته من جهة الترادف بحيث كلما وجد الطلاق بعوض، وجد الخلع. فالطلاق بعوض لم يفتقر الي كراهتها، و لا يندرج ذلك في مهيته، بل انما يفيد فائدة الخلع اذا حصل الكراهة منها، و الحال ان لزوم الكراهة ليس من لوازم مهية الطلاق بعوض. و ان كان بعض افراده (و هو الخلع) مما لا يتحقق الاّ بالكراهة.

فالحال ان الطلاق هو ازالة قيد النكاح مجرداً عن العوض بمعني عدم اخذ «العوض» في مفهومه[27]. و الخلع ايضا من مزيلات قيد النكاح [لكنه] ماخوذ في مهيته العوض مع كراهة الزوجة فقط. و الطلاق بعوض من اقسام مطلق الطلاق. اذ الماخوذ في مهية مطلق الطلاق، عدم اشتراط العوض. لا اشتراط عدمه. فلا ينافي الطلاق بعوض من افراده. فالطلاق بعوض، الذي هو من افراد مطلق الطلاق، قد يجزي عن الخلع اذا قارن كراهة الزوجة دون الزوج، و يجري عليه احكام الخلع و ان لم يكن هو بعينه. و اتفاقهم علي افادته (حينئذ) فائدة الخلع، لا يستلزم اتحاد هما في الحقيقة.

والعجب من هذا القائل؛ كيف ارتضي في توجيهه عبارة فخرالمحققين بما قدّمناه، و لم يرض بمثله للشهيد الثاني(ره).

ثم اعترض هذا القائل: بان في كلامه اضطراباً، فانه ذكر هنا ما ذكر و قال بعد ذلك شارحاً لكلام المصنف ايضا «و لا يصح الخلع الا مع كراهتها له فلو طلّقها و الاخلاق ملتئمة و لم تكره، بطل البذل فوقع الطلاق رجعيا من حيث البذل، و قد يكون بائناً من جهة اخري؛ ككونها غير مدخول بها، او كون الطلقة ثالثة» انتهي. و لا يخفي منافاته لما مرّ عنه، و موافقته لما تقدم من غيره من الاصحاب. الا ان يُخصص كلامه بما اذا سئلت الخلع فطلّقها بعوض و الاخلاق ملتئمة. و هو بعيد جدا. و ايضا قد عرّف الخلع و المباراة بانه طلاق بعوض مقصود لازم من جهة الزوج. و عرّف الطلاق بانه ازالة قيد النكاح بغير عوض بصيغة طالق. و تبع المصنف في حصر البائن في ستة[28]؛ منها طلاق المختلعة و المباراة مع عدم رجوعها في البذل. و لم يشر الي منع الحصر، او الحاق الطلاق بعوض.

 

اقول: الاضطراب الاول [الذي] اشار اليه بقوله[29] «و لا يخفي منافاته لما مرّ». ففيه: منع منافاته لما مرّ عنه. كما لا يخفي. فلنذكر عبارة المصنف مجردة عن الشرح، حتي تتضح الحال: قال: كتاب الخلع و المباراة؛ و صيغة الخلع ان يقول «خلعتك علي كذا» او «انت مختلعة» ثمّ يتبعه بالطلاق في القول الاقوي. و لو اتي بالطلاق مع العوض، اغني عن لفظ الخلع. الي ان قال: و لا يصح الخلع الاّ مع كراهتها. فلو لم تكره بطل البذل و وقع الطلاق رجعيا. انتهي.

 

و مراده(ره) ان الخلع الذي هو ازالة قيد النكاح حقيقة، لازمة لمهية الذي صيعته «خلعتك علي كذا» او ما يغني عنه، مثل «انت طالق علي كذا». [فـ]لا يصح الاّ مع كراهتها. فلو لم تكره بطل البذل.

 

بقي الكلام في قوله «و وقع الطلاق رجعيا»؛‌ و مراده ان لفظ الطلاق في المقام (سواء كان من باب الاتباع الذي جعله الاقوي، او من باب الطلاق بعوض في ايجاد الخلع [المعقود][30] له الكتاب) هل يصير لغواً، او ينقلب رجعيا؟-؟ فاختار المصنف و غيره انقلابه رجعياً. و اختاره الشارح ايضا و لا ينافي ذلك ما تقدم منه من كون الطلاق بعوض، قد يكون غير الخلع و المباراة و يفيد فائدتهما في البينونة. اذ الكلام في الطلاق الواقع في مضمار الخلع لا غيره.

ثم ان الشارح(ره) في شرح قول المصنف(ره) [قال]: «فلو لم تكره بطل البذل و وقع الطلاق رجعيا من حيث البذل. و قد يكون بائنا من جهة اخري ككونها غير مدخول بها، او يكون الطلقة ثالثة» انتهي كلامه(ره).

و لا يخفي: انما اوجب توهم منافاة كلامه هذا، مع سبق اطلاق قوله «فلو طلقها و الاخلاق ملتئمة، بطل البذل» فانه ينافي ما سبق منه من قوله «الطلاق بعوض لا يشترط فيه الكراهة و يفيد فائدة الخلع من البينونة». و هو[31] توهم فاسد. اذ ادراجه(ره) «فلو طلّقها..»، لارتباط كلام المصنف. اذ الخلع في قول المصنف في «و لا يصح الخلع الا مع كراهتها» لا يستلزم ذكر الطلاق، كما هو مختاره. لان عنوان المصنفين غالبا في المسائل علي مرجع كلام ارباب الاقوال المختلفة، لا خصوص مختار المصنف، و لا ريب ان من الاقوال في المسئلة كفاية لفظ الخلع بدون ذكر الطلاق،‌ و لا يصح القول بوقوع لفظ الخلع فقط طلاقا رجعيا مع عدم الكراهة.

فالشارح اوضح المقام و قال: مراد المصنف من قوله «و وقع الطلاق رجعيا» هو اذا طلّقها و صدر منه الطلاق، سواء كان من جهة الاتباع، او من جهة كفاية الطلاق بعوض،‌عن الخلع. و المتوهم فهم منه انه اطلق القول بان الطلاق بعوض، يرجع الي الرجعي مع عدم الكراهة و ان كان في غير الخلع المعهود. موافقاً للمحقق و العلاّمة و غيرهما. و قد عرفت ان مراد الجماعة ايضا ليس الاطلاق، بل ما اريد منه الخلع المعهود، و ان غفل الشهيد الثاني هناك عن مرادهم في احد الاحتمالين الذي بيّنتهما.

و اما الاضطراب الثاني [الذي] اشار [اليه] بقوله[32] «و قد عرفت الخلع و المبارات.. الخ»؛ ففيه: انه لا يخفي ان غرض الشهيد الثاني(ره) في تعريف الطلاق، هو الطلاق الذي ليس فيه عوض. فيخرج الخلع و المباراة حيث عقد المصنف لهما كتابا اخر بعده و عرّفهما ايضا بما عرّفهما. و لكن المصنف لم يعرّف الطلاق بما عرّفه. فيمكن ان يكون مراده من كتاب الطلاق المعني الاعم الذي يشمل الخلع و المباراة. حيث ذكر من جملة اقسام البائن، طلاق المختلعة و المباراة. و اما الشارح فيلزمه القول بنوع استخدام، حيث يشير تعريفه للطلاق بخروج الخلع و المباراة عنه. و موافقة المصنف في تقسيم الطلاق، بحيث صار من اقسامه.

و يمكن ان يكون مراده من قوله «بغير عوض»، بغير لزوم ذكر عوض في مهيته و ان اعتبر في بعض افراده. كما عرّفوا الهبة بـ «تمليك منجزّ من غير عوض»، ثم جعلوا الهبة المشروط فيها العوض، من اقسامه.

 

و كيف كان، فلا ينافي [كلامه هذا]، موافقته للمصنف[33] في حصر اقسام البائن في الستة المذكورة، و عدم التفاته الي الطلاق بعوض في اقسامها. اذ[34] ذلك تقسيم للطلاق باعتبار انه طلاق بملاحظة اركان الطلاق؛ من كون المطلّقة صغيرة، او يائسة، او غير مدخول بها، او كون الافتداء[35] مقصوداً في مهيته مع كراهتها فقط، او كراهتهما، [ا]و كون الطلقة ثالثة بعد رجعتين. و اما الطلاق بعوض، فليس قسما علي حدة،‌ بل هو عقد علي حدّ احد اقسام الطلاق. فيصح بذل شيئ علي كل واحد من اقسام البائن و الرجعي، سواء جعلناه عقداً مستقلاً مندرجاً تحت عموم «اوفوا بالعقود» و امثاله،‌ او جعلناه قسماً من الهبة و الصلح و غير ذلك.

 

فنقول: اذ[ا] عقد الولي ابنته الصغيرة لرجل، ثمّ وجد من هو اصلح لها، و كان ذلك الرجل مسكينا او فقيرا، او كان عنده نسوان متعددة. فاراد الولي تخليصها و تزويجها بمن هو اوفق لحالها، و قال «اني اعطيك الفا علي ان تطلّق ابنتي». فاي مانع من جواز هذا الاعطاء؟ و من جواز قبول الزوج و طلاقه لها؟ سيما اذا اعطاه من ماله. و لا مدخل في المنع عن الاخذ من الزوجة المذكورة في الاية[36] و لو سلّم دلالته ايضا. و كذلك الكلام في حق المرئة نفسها اذا كانت لها زوج ليست بكارهة له و لكن يظن حصول طالب لها اوفق بها منه. او الزوج يريد الذهاب بها الي بلدته البعيد من اهلها و هي تريد مجاورتهم.

 

و هل اشترط احد من العلماء في صحة الهبة المعوضة كون العوض غير الطلاق؟ او ساير العقود؟ بل اطلاق الاخبار و العمومات يقتضي صحة الهبة علي كل ما يصلح للعوض. و قد نقلنا التصريح بالعموم عن استادنا المحقق طاب ثراه. حتي ان بعضهم استدل للزوم الصدقة بانه معاوضة بسبب قصد القربة. و ان كان لنا فيه كلام. و كذلك الكلام في الصلح و غيره.



[1] الشرايع (كتاب الخلع، النظر الرابع) ج3 ص41 ط دارالتفسير.

[2] و في النسخة: فبطل.

[3] اي: بل لعل مراد الشهيد الثاني في المسالك.- و المراد من المصنف المحقق.

[4] المسالك، ج2 ص54 ط دارالهدي.

[5] و في النسخة: بل ينتفي الجنس القريب.

[6] عبارة النسخة: و ان ابيت عن ذلك و قلت.. .

[7] و في النسخة: كلامهم.

[8] و في النسخة: نعم يؤيد هذه الفضلة ما سيذكره.

[9] و في النسخة: منهما.

[10] و في النسخة: فيها.

[11] المسالك،‌ ج2 ص59 ط دارالهدي.

[12] و في النسخة: منهما.

[13] عبارة النسخة: او عدم البينة غير نية العدم و البينة انما يتحقق بنية العدم كما لا يخفي.

[14] عبارة النسخة: فقال ان الطلاق بعوض المقام يصح فيه نية الخلع و المقام يصح فيه نية المباراة و المقام يصح فيه نية غيرهما.

[15] و في النسخة: و لمّا.

[16] و في النسخة: تحققها.

[17] و في النسخة: البينة.

[18] و في النسخة: المشاهدة.

[19] و في النسخة: فسقط.

[20] و في النسخة: انها.

[21] عبارة النسخة: حتي يرد عليه انه طلاق بعوض و احد بشرط.

[22] المراد من لفظ «فقط»‌ انه طلاق بعوض، و صحيح، لكنه فاقد شرط الكراهة للخلع، فقط. و ليس فاقداً لشرائط صحة الطلاق.- و عبارة النسخة: اذا جعل الكراهة منها فقط.

[23] و في النسخة: سبق.

[24] الروضة (كتاب الخلع) اول مسئلة بعد تعریفه و بیان صیغته.

[25] و في النسخة: الشارع.

[26] و في النسخة: الموارد.

[27] اي: لم يؤخذ العوض في تعريف الطلاق و مفهومه.

[28] و في النسخة: منتد في ستة.. .

[29] و في النسخة: الاضطراب الاول اشارة اليه و بقوله.

[30] اي: الخلع الذي عقد الكتاب له بقوله: كتاب الخلع.- عبارة النسخة: في ايجاد الخلع المعهود له الكتاب.

[31] و في النسخة: و هم.

[32] عبارة النسخة: ظاهر اشار بقوله.

[33] عبارة النسخة: فلا ينافي في موافقته للمصنف.

[34] و في النسخة: او.

[35] و في النسخة: الاقتداء.

[36] قوله تعالي: وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً..- سورة النساء، آية 20.