كتاب الطلاق: هذه رسالة‌، في انفراد مسئلة الطلاق بعوض، عن الخلع. (5)

اقول: و الاولي ان يُجعل المناط هو الجزم البادي في النظر، و انّه كاف في الصحة و ان حصل له الترديد و التشكيك بعد التفطّن. و نظائر ذلك كثيرة. منها انّ المسافر اذا قصد ثمانية فراسخ لزيارة اخيه في رأس الثمانيه و لا غرض له سوي ذلك. فان خرج و قطع برهة من المسافة، فاذاً باخيه يجيئ اليه، و صادفه و رجع. فوجوب القصر انما هو لجزمه بالذهاب الي منتهي المسافة، و لو كان احد يقول له في اول المسافة؛ ان صادفت اخيك بين الطريق، ترجع ام لا؟-؟ يقول نعم. فان تكليفه القصر مادام جازما في البادي و هو المناط. و كذلك الامر في ايجاب العقود. فان البايع حين الايجاب جازم بانه يقبل و ليس له تردد حتي يحصل له تعليق في نظره و ان [لم] يكن تصريح اللفظ [بالجازمية]. و لو جهل الحال و حصل التداعي، فالمناط هو صورة الجزم. فمدعي خلافه، مدع و يقدم قول منكر الشك علي ظاهر الحكم.

ثم قال(ره) في بيان الفرق و بطلان التعليق في الامثلة المذكورة: «انه يزيد في الامثلة المذكورة مضافا الي كونها معلّقة علي القبول، انّها معلقة علي شيئ اخر و هو المشيئة. و يزيد عليه في قوله «ان اعطيتني» انه قابل لان يكون الاعطاء عوضا عن الطلاق. كما هو مقتضي الخلع او غيره»[1].

ثم قال: «بقي البحث في تعليق الاستدعاء‌ علي الشرط، و قد تقدم القول بجوازه. و في التحرير: لو قالت ان طلّقتني واحدة فلك عليّ الف. و طلّقها، فالاقرب ثبوت الفدية. و هو تعليق محض. الا ان يقال بان الاستدعاء يتوسع فيه، و من ثمّ لم يختص بلفظ، بخلاف الخلع الواقع من الزوج. و في الحقيقة كل لفظ يتقدم منهما فهو معلق علي الاخر. و من ثمّ قلنا انه مع تاخير القبول من جانبها يكون في الخلع شائبة الشرط. الا انهم اعتبروا في نفس الخلع (الذي هو عبارة‌ عن اللفظ الواقع من الزوج) تجرده عن صورة‌ الشرط. بخلاف اللفظ الواقع منها. و لو جعلنا الخلع عبارة‌ عن العقد المركب منهما، اشكل الفرق. و علي ما ذكره في تعريف الخلع في التحرير- من انه عبارة عن بذل المرئة المال للزوج فدية لنفسها- يقوي الاشكال. خصوصا في حكمه الذي حكيناه عنه»[2] انتهي كلامه قدس سره.

 

و ان اريد به الشرط المتداول في السنتهم فيما تشترط في ضمن العقود، فهو اُطلق علي معنيين: احدهما مجرد الالزام و الالتزام، مع قطع النظر عن كون استمرار مقتضي العقد معلقا علي وجوده، بحيث لو انتفي، تسلط المشتري علي فسخه. و ثانيهما: ارادة ذلك مع كون بقائه و استمراره معلّقا عليه. و كلاهما موجودان في ابواب العقود في البيع و النكاح و غير ذلك. و اغلب ما اطلقوا عليه هو المعني الثاني، سيما في البيع و الخيار الحاصل بسبب انتفائه. يسمونه من جملة الخيار بـ«خيار الاشتراط». فالاولي ان يراد بالشرط، هو القدر المشترك. و هو المعني الاول. سيما بملاحظة استدلالهم في المقامات كلها بقوله(ع): «المومنون عنه شروطهم»، المفيد للاطلاق. فقد تريهم قد يجوّزون الشرط في ضمن العقد و يقولون بلزومه و وجوب الوفاء به من دون ان يكون استمراره معلّقاً علي تحققه؛ كاشتراط السكني للمرئة في بلدها و لا يقولون بتسلّطها علي الفسخ اذا اخرجها الزوج من البلد. و لم يصرّحوا بالتسلط علي الفسخ عند انتفاء الشرط؛‌ كما لو تزوّجها علي انّها[3] حرّة فظهرت امة. او علي انها بنت مهيرة، فظهرت بنت امة، او علي انها بكر، فظهرت ثيّباً. و تزوّجت علي انه حرّ، فظهر عبداً. و قالوا ان ذلك هو مقتضي الشرط.

 

و بالجملة: لا دليل علي الخيار لو اراد[4] محض الالزام و الالتزام بدون الخيار في الفسخ. فلا يلزم علينا القول بانّ المرئة اذا لم تف بالعوض في الطلاق بعوض،‌ان يكون للزوج الرجوع. كما نقول[5] في الخلع بجواز رجوعه لو رجع[ت] في البذل، بدليل مختص به. و ان لم نضايق من ان يشترط الرجوع قبل انقضاء العدة ان لم تف[6]. ان لم يكن الطلاق بائناً[7]. و لكن هذا خروج من العقد. اذ الكلام في الرجوع الي الحال السابق، من جهة عدم تحقق الشرط. فلا دخل للبينونة و الرجعة في ذلك. و لكن لمّا ثبت انه لا رجوع في البائن، فهو خرج بالدليل. فان ما يدل عليه اقوي مما يدل علي العمل بمقتضي قاعدة الشرط، فتخصصها به.

ثمّ انه: لابد من بيان معني الالزام و الالتزام في الشرط المذكورة، ليحصل الفرق بين الشرط و الوعد. حيث يوجبون العمل بالشرط دون الوعد. علي المشهور بين الاصحاب. و جملة الكلام في ذلك ان الالزام و الالتزام،‌ اما ان يكون من باب نفس العقود (اعني العهود الموثقة بين العباد باقسامها، و لا ينفك[8] غالبا عن معاوضة و لو ضمنا) فانها الزامات و التزامات و عهود موثقة يجب العمل بها و التزامها، الاّ ما خرج بالدليل. كما اشرنا في المقدمه الاولي. و لذلك تريهم يستدلّون في لزوم العقود بقوله(ع): «المومنون عند شروطهم». كما فعله العلاّمة في التذكرة في المساقاة.

و اما [ان] يكون بالشرط في ضمن عقد لازم بحيث يصير جزءً منه. و انّما الاشكال في صيرورة ذلك في الايقاعات[9]. و يمكن القول به ايضا. كما ذكر[و]ه في العتق. و توجيهه اِما بالمعاوضة الضمنية؛ فان العبد مملوك للمولي نفسه و منافعه، فلا مانع من ان يخرج بعض ما في تحت يده و يبقي البعض لنفسه، ثمّ يعاوضه باعطاء‌ شيئ بعد العتق، او خدمة معينة. فكانّه يعاوضه المنفعة الممكنة الحصول منه من المال و الخدمة التي هي حقه في حال الرقية، بما يساويها في حال الحرية. فهذا التزام للعبد بشيئ في عوض ما كان لازما عليه للمولي و التزام للمولي لِاِتيانها له بعد العتق. لاجل سلطنته السابقة.

و هذا كلام يجري في الطلاق ايضا. فلا مانع من ان يقول للمرئة «انت طالق و شرطت عليك ان تعطيني الفا» او «انت طالق علي ان تعطيني الفا» او «انت طالق علي ان تعطيني كذا»، و تلتزمها المرئة في عوض حقه السابق من حبسه[10] في حباله ابداً و تسلّطه علي ذلك، حيث يستريحها و يرخّصها من الحبس[11] بالطلاق، و يلزمها الزوج بذلك علي تقدير الطلاق. فهذا تحقّق[12] معني الالزام و الالتزام في الايقاعات[13]. و يدل عليه عموم قولهم(ع): «المومنون عند شروطهم». و الخلع ايضا في الحقيقة يرجع الي ذلك،‌ و ان امكن جعله من باب المعاوضات الصريحة ايضا.

و اما في الوعد: فليس شيئ يوجب الالزام و الالتزام. و ليس من باب المعاوضات الصرفة، و لا المعاوضات الضمنية في مقابل شيئ من الحقوق اللازمة. فيمكن في الايقاعات القول باجراء‌ المعاوضة الصريحة كالخلع، و باجراء المعاوضة الضمنية كالعتق. و بابقاء اللزوم السابق بحاله.

و لمّا ذكرنا ان الالزام و الالتزام مطلقا لا يوجب خيار الاشتراط مطلقا، فلا يرد علينا انه لو كان هذا الشرط صحيحاً لجري فيه خيار الاشتراط، و لجاز العود الي الطلاق لعدم وفاء الزوجة بالشرط. فهذا معني غير معني الرجوع في البذل في الخلع. و لذلك تريهم بعد ما اتفقوا علي صحة الشرط السابق في العتق مثل خدمة سنة، او اعطاء‌ مال. مستدلين بقوله(ع) «المؤمنون عند شروطهم» و غيره. و انه لا يرجع الي الرق بالاخلال، بل يبقي وجوب الوفاء[14] في ذمته. اختلفوا في انه لو اشترطا [ا]لعود الي الرق بالاخلال،‌ هل يصح العتق و الشرط (لعموم الرواية[15] و خصوص رواية اسحق بن عمار[16])،‌ او يبطلان- لان فساد الشرط و هو عود الحرام الرقية، مستلزم لفساد المشروط-؟-؟ و اختاره المحقق و [ترك] رواية اسحق بالشذوذ، و ضعف السند و مخالفتها لاصول المذهب. فادعوا [انّ رجوع] من ثبت حرّيته الي الرقية، غير جايز و لا معهود. و لا يرد في ذلك، المكاتب. لعدم تمحض الحرّية ثمّة. فهو عود الي الرقية المحضة بعد ما تشبّث بالحرية في الجملة. لا الي مطلق الرقية بعد تمحض الحرية.

او يصح العتق و يبطل الشرط؛ لانه عتق و شرط و يمكن انفكاك كل منهما عن الاخر. فلا يستلزم فساد احدهما فساد الاخر. و لان العتق مبني علي التغليب.

و فيه؛ منع الانفكاك. فان القصد بالعتق انما وقع مع ذلك الشرط و لم يثبت القصد الي العتق بدونه. و من ذلك ظهر بطلان الاعتماد علي التغليب. اذ هو مسلّم فيما لو تحقق عتق. و هو لا يتمّ مع عدم القصد. فقد ظهر من جميع ذلك؛ ان الشرط المعهود في السنتهم، يجري في الايقاعات. و الاّ لم يكن معني للاستدلال بقوله(ع): «المومنون عند شروطهم» في العتق. و لم يناقش احد في هذا الاستدلال. و هذا في معني ان مقتضي الرواية، عام و التخصيص محتاج الي الدليل. و لم نقف في كلامهم علي تصريح ببطلان الشرط في الطلاق، و لا دليل. بل انما ذكروا اشتراط تجريد الطلاق عن الشرط، و هو معني اخر. و مرادهم من الشرط في ذلك، تعليق الطلاق و نفس الايقاع علي شيئ. بل يظهر من المحقق التامل في ذلك ايضا مع عدم وقوفه علي المخالف. و شيّده في المسالك و استأنس له بالظّهار كما مرّ. بل يظهر من المحقق ان الشرط بالمعني الذي نحن فيه، غير [ما] نصّ في الخلع. بل و في غيره ايضا، كما مرّ.

و الحاصل: انا نقول بصحة الشرط في الايقاعات بهذا المعني، و لكن لا نلتزم بكونه من باب الشروط التي يستلزم انتفائها ثبوت خيار الاشتراط مطلقا، بل مجرد الالزام و الالتزام. و اما لو صرح حين الشرط، بحصول الخيار بانتفائه (فيما امكن ذلك) فلا نمنعه ايضا.

 

ثم: ان الكلام هنا قد جري علي بيان مراد فخر المحققين(ره) في بيان تعريف والده(ره) للخلع، و بيان كيفية انتقاض تعريفه بالطلاق بعوض[17]. بل [و] في الجواب عنه.

 

و قد يقال: انّ‌ مبني تعريف العلاّمة، علي اندراج الطلاق بعوض، في الخلع الذي يتناول المباراة‌ ايضا في بعض اطلاقاتهم. و غرض فخر المحققين حيث اخذ في حدّه لفظ «خلعت» و حكم بالاكتفاء به عن الطلاق. [و] هو الفرق بين الخلع المحض، و الطلاق بعوض. من جهة انّ الخلع لا يصح الاّ بالعوض، و الطلاق يصح بدونه و ان كان احد اركانه. حيث اخذ فيه نسبة العوض المأخوذ في الطلاق بعوض، الي مطلق الطلاق كنسبة[18] النطق الماخوذ في مهية الانسان الي الحيوان. او الغرض انّ العوض ليس ماخوذاً في مهية ‍‍‍]الـ]طلاق و لا في مهية الهبة، بحيث لا يتحققان شرعا بدونه. بخلاف الخلع و البيع و نحوهما.

اقول: لا يخفي ان الحدود انما يذكر في المفاهيم، لا الالفاظ. و انتقاضها في العكس او الطرد انما يكون بالمفاهيم، لا الالفاظ. فلو لم يكن المراد من الطلاق بالعوض، المغاير لمفهوم الخلع، لم يكن معني لانتقاض طرد حدّ‌ الخلع به. و كذلك ما يذكرونه في الالفاظ الدالة علي المفاهيم و الوضع[19] الموضوعة لها، لابد من التمايز بينهما ليحصل الدلالة مع الاشتراك و تحقق القرنية. فما ذكروه في رفع نقض طرد الحّد، انما هو ليتميّز المهية عما سواها من الماهيات المغايرة لها. لا للتمييز بين مدلول لفظ «خلعت» و لفظ«طالق». فمراد فخر المحققين ان قيد «بفدية»[20] انما هو لاخراج الطلاق بعوض. و حاصله ان الخلع هو ازالة خاصة للنكاح معتبر في مهيتها الفدية. و الطلاق بعوض، ايضا ازالة للنكاح من دون اعتبار الفدية في مهيّتها و ان كانت معتبرة في الخارج بالتقييد.

 

فعلي هذا فقول الزوج «هي مختلعة بكذا» او «خلعتها بكذا»، لفظ «بكذا» هنا لبيان نفس العوض ايضا لعدم دلالة طالق عليه بوجه، لعدم كونه مأخوذا في مفهوم الطلاق. فاذا اريد اتحاد المفهوم الذي يدخل العوض في مهيته باللفظ الموضوع له حقيقية، بالوضع الشخصي، يقال «خالعتها بكذا». و لكن ذكروا انه يجوز ان يُستعار له لفظ «طالق بكذا» بان يُستعمل اللفظ الدال علي الازالة التي لا يدخل في مفهوم[ـه] العوض، في المفهوم الذي يدخل في مهيّته[21] العوض.

 

و لذلك قال الشهيد(ره) بعد ما ذكر ان صيغة الخلع «خالعت» ‍[و] انه لو اتي بالطلاق بعوض، اغني عنه. و ان شئت،‌ قلت: مفهوم الطلاق بعوض، اعم من الخلع، و يستعمل اللفظ له، في فرده بقرنية المقام. و علي اي تقدير؛ يصح الاحتراز[22] و تصحيح الطرد بما ذكره فخر المحققين.

و اما ما ذكره القائل، فلا افهم معناه. فان ما ذكره من اندراج الطلاق بعوض، في الخلع الشامل للمباراة عند العلاّمة (لو سلمناه)، فما معني كلام فخر المحققين في تعريف نفسه او بيان مراد والده[23]. فان كان الاول، ففيه: ان مذهب فخر المحققين ايضا ان كان ما نسبه الي والده (من دخول الطلاق بعوض، في الخلع بالمعني الاعم- فمع انه لا يناسب كلمة «دونه» – فلا يصح الاحتراز عنه في التعريف. و ان كان مذهبه عدم الدخول في الخلع مطلقا، بمعني امكان تحققه في ضمن فرد اخر، فهو[24] يخرج بلفظ «خلعت». اذ هو يُخرج ما جامع[25] الطلاق بعوض، كراهتها للزوج. و ما لم يجامعها.

و ما ذكره من ان مراده بيان الفرق بين الخلع المحض و الطلاق بعوض. ففيه ما لا يخفي من الخلط. فان الفرق بين الخلع المحض و الخلع الذي هو الطلاق بعوض، انما هو بلفظ «خلعت». و الاّ فهما متحدان في المفهوم و الحقيقة، عنده. ‍‍[و] ما فهمه القائل[26] (فجعل اعتبار العوض داخلا في مهية الخلع المحض، دون الطلاق بعوض، موجبا للفرق) غريب. و المقابلة انما وقع بين «خلعتها بكذا» و بين «‍[هي] طالق بكذا». لا بين «خلعتها» و بين «هي طالق». و لا ريب ان الطلاق بعوض، لا ينفكّ عن العوض [و] هو مطلق. و الذي هو المقصود؛ الفرق بين المحض و غير المحض من الخلع. لا بين الخلع و الطلاق..

فجعل مراد فخر المحققين[27] من تعريف الخلع، بيان الفرق بين لفظ الخلع و لفظ الطلاق، اجنبي بالمقام. بل مراد فخر الحققين تعريف الخلع دون المباراة. و احترز بقيد «العوض» عن الطلاق بغير العوض. و بقيد «كراهتها» عن الطلاق بعوض من دون كراهة. و بقيد «دونه» عن المباراة. و بقيد «لفظ خلعت» عن الطلاق بعوض مع الكراهة منها دونه. فانه ازالة قيد النكاح مع كراهة الزوجة بعوضٍ بلفظ «طالق»، و يجري عليه احكام الخلع. لا انه هو خلع. و لا عبارة عليه اصلا.

 

و ان كان مراده الثاني– كما هو الاظهر- بان يُجعل كلمة «حيث»‌ في كلام القائل، هي التعليلية لا التقييد به، يعني ان مراد فخر المحققين بسبب انه ذكر «خلعت» في التعريف، انّ مراد والده بيان الفرق بين محض الخلع و الطلاق بعوض. بان مراده بالفدية، الفدية اللازمة للمهية ليكون تعريفا للخلع المحض. فان الفدية داخلة في مهيته، دون الطلاق بعوض المراد به الخلع. فيرد عليه (مضافا الي ان ذلك ينافي جعل الخلع في تعريف والده اعم من المباراة، و هو ينافي الاكتفاء بلفظ «خلعت» في تعريف نفسه، سيما مع ضميمة كلمه «دونه»،) انّ ذلك لا يناسب الحدود. اذ هي للمهيات، لا الالفاظ. كما مرّ. و قد ذكر القائل ان العلاّمة يقول بدخول الطلاق للعوض في الخلع. مع ان بيان الفرق بين الخلع و بين الطلاق الخالي عن قيد العوض، غير بيان الفرق بين محض الخلع و الطلاق بعوض. كما اشرنا.

 

مع هذا كله، فيرد عليهما و علي كل من حاذي حذوهما، ترك تعريف احد قسمي الخلع، فكان عليهما اِما جعل التعريف بحيث يشملهما جميعا او اِفراد تعريف اخر للقسم الاخر. و اما نحن فبمعزل عن هذا الايراد. اذ لا نقول بكون الطلاق بعوض، عين الخلع و ان جامع كراهة الزوجة فقط. بل نقول انه في حكم الخلع و يجري عليه احكامه. و هو مطابق بعباراتهم؛ فلاحظ عبارة اللمعة حيث قال: «فان اتي بالطلاق بعوض، اغني عن الخلع»[28]. و قال في كنز العرفان: «الطلاق بالفدية و يفيد فائدة الخلع و المباراة، و حكمه حكمهما». و ناهيك ما ذكره السيد محمد(ره) في شرح النافع من انه هو المؤسس لهذا المطلب، حتي ادعي اتفاق الاصحاب ظاهراً علي ان الطلاق بالعوض يتعلق به احكام الخلع. و قال «و لو لا انه خلع لم يتعلق به شيئ[29] من احكامه، لانتفاء نصّ فيه بالخصوص»[30]. فانه اعترف بانهم اتفقوا علي اتحادهما في الحكم. و قوله «و لو لا انه خلع.. الخ»، فستعرف ما فيه.

 

و علي هذا فترك تعريف الطلاق بعوض، غير مضرّ. فانه هو الطلاق بالمعني الاخص او الاعم. و كفي تعريفهما عن تعريفه.

 

ثم: ان السيد محمد(ره) بعد ما ذكر كلام فخر المحققين الذي قدّمناه، قال «اقول:‌ ان الطلاق بعوض، من اقسام الخلع. كما صرح به المتقدمون و المتأخرون من الاصحاب و لا يرد نقض[31] عليه.

 

و اقول: ان المنقول في كلامهم ان الخلع يقع بقوله انت طالق بكذا. و منهم الشيخ في المبسوط. فانه قسّم الخلع الي واقع بتصريح الطلاق، و الي واقع بغيره، و قال: «فاما ان كان الخلع بتصريح الطلاق، كان طلاقاً بلا خلاف»[32]. و نحن ايضا لا نمنع ان يؤدي الخلع بلفظ الطلاق بعوض. و ذلك لا يستلزم اتحاد الخلع مع الطلاق بعوض و كونهما متساويين بان يكون الطلاق بعوض،‌ هو الخلع «لا غيره».

و قال ايضا في موضع اخر من شرح النافع «ان ظاهر الاصحاب الاتفاق علي ان الطلاق بعوض، يتعلق به احكام الخلع و لو لا انه خلع لم يتعلق به شيئ من احكامه، لانتفاء نص فيه علي الخصوص. كما لا يخفي علي المتتبع»[33].

 

اقول: ان اراد من ظاهر اتفاق الاصحاب علي ان الطلاق بعوض يتعلق به احكام الخلع، ما نقلناه في المقدمة الاولي (ان المعروف[34] من مذهب الاصحاب ان الزوج اذا ادّي مفهوم الخلع بلفظ «انت طالق علي كذا» قاصداً به الخلع من دون ضمّ مثل «خلعتك» او «خالعتك».) فهو مسلّم. و لا يبقي الاشكال في انه في حكم الخلع، لا انه خلع. سلّمنا و لكنه لا يستلزم ذلك ان يكونوا قائلين بان الطلاق بعوض، انما هو الخلع لا غير. حتي يلزم ان يتعلق جميع احكام الخلع، بالطلاق بعوض، الذي من جملتها لزوم كراهة الزوجة. و ان اراد انهم اتفقوا علي ان كل لفظ يدل علي ارادة الطلاق بعوض (حتي مثل ما ذكرنا في جملة الاقسام الستة) و يتعلق به احكام الخلع، فهو ممنوع. و هذا من باب اشتباه المفهوم بالمصداق. فانّا لا نمنع قابلية لفظٍ واحدٍ[35] لازاء مطلبين و اشتراك لفظ في معنيين. [فالمايز][36] هو القصد. و لا ريب في تغاير[37] المفهومين. و قوله «و لو لا انه خلع لم يتعلق به شيئ[38] من احكامه»، فيه: ان اشتراك موضوعين متغايرين، في بعض الاحكام الشرعية، غير عزيز في الفقه. اَلا تري مشاركة الصلح و البيع و النذر و العهد، في كثير من الاحكام. و هو لا يستلزم اتحادها[39] في المفهومين. مع انه لا يتم ذلك في كلام من ادرج في تعريف الخلع، كونه بلفظ الخلع، كفخرالمحققين (كما عرفت) و ابن فهد كما ستعرف.

قوله: «لانتفاء نص فيه علي الخصوص»، فيه: انه لا يجب في الاحكام الشرعية، التنصيص بالخصوص. اذ قد يستفاد كثير من الاحكام من العمومات. بل [من] القواعد المسلّمة. و قد عرفتها.

و منهم الفاضل المقداد(ره) في «التنقيح»؛ فانه قال: «عرّفه العلاّمة في القواعد بانه ازالة قيد عقد النكاح بفدية. اي فدية لازمة لمهية له، لا يرد عليه الطلاق بعوض.

و منهم المحقق جمال الدين ابن فهد في «المهذب»؛ قال: «الخلع بفتح الخاء، نزع الثوب. و بضمها، ازالة قيد النكاح بفدية لازمة لمهيته مع كراهتها الزوج دونه. و بلفظ «خلعت». فالازالة جنس يشتمل الازالة بالفسخ و الطلاق. و البواقي كالفصول[40] به و هي اربعة: الفدية، و يخرج بها الطلاق. و بقولنا «لازمة للمهية» يخرج الطلاق بعوض، لانه ليس من لوازمه العوض بخلاف الخلع. و بكراهتها دونه، يخرج المباراة، فانها يترتب علي كراهتهما لانها مفاعلة من التباري و هو من الطرفين فتتبرّيه و توعده بما تبذل و تبرّيها [و] تبعدها بابانتها. و بقولنا «خلعت» يخرج عنه ما لو وقع الطلاق بعوض مع كراهتها. فانه لا يسمّي خلعا» انتهي.

و هذا الكلام يدل علي ان الطلاق بعوض، مغاير للخلع. [لا] انه ينقسم[41] الي ما يكون مع كراهة الزوجة، و ما[42] لا يكون معها. فمراده بالطلاق، المخرج بلفظ «الفدية» الطلاق المجرد عن العوض. و من الطلاق بعوض، المخرج بقيد اللازمة للمهية، الطلاق بعوض الذي ليس فيه كراهة، من الطلاق بعوض الذي يكون مع كراهتها [و] هو ما اَجروا عليه احكام الخلع، و ان لم يكن خلعاً حقيقياً في اصطلاحهم (و اصطلاح من وافقهم، لانه اعتبر «خلعت» في تعريف الخلع،‌ بخلاف غيره كما سمعت من تعريف العلامة و المقداد و غيرهما، بل ذكر فخرالمحققين ايضا هذا اللفظ كما عرفت) فهؤلاء يجعلون قول الزوج «انت طالق علي كذا» مجرداً عن لفظ الخلع، خلعا مع حصول الكراهة من قِبلها فقط. و ابن فهد (و من وافقه) لا يجعله خلعا حقيقيا و ان اجروا عليه احكامه. بل هذا اوفق بكلمات الاكثر.

 

و قد يقال: ان قيد لفظ «خلعت» في كلام ابن فهد، مغني عن قيد «لازمة لمهيته»[43]. و لذلك تركه فخرالمحققين. فهذا غفلة منه.

 

اقول: و لعلّ وجهه؛ التنبيه علي المُخرجات تفصيلاً، و ان كان لفظ «خلعت» يفيده اجمالاً. و لعل الي ما ذكرنا ينظر كلام المحقق (و غيره ممن وافقه) حيث قال في الشرايع: «لو خالعها و الاخلاق ملتئمه، لم يصح الخلع و لم يملك الفدية، و لو طلّقها و الحال هذه لم يملك العوض و صح الطلاق، و له الرجعة»[44]. فان مراده من قوله «و لو طلقها و الحال هذه» انه لو خالعها بلفظ الطلاق و قصد بلفظ الطلاق، الخلع، لم يملك العوض لانتفاء شرط الخلع و هو الكراهة. و لكن يقع الطلاق رجعيا. بخلاف ما لو خالعها بلفظ «خالعت». فانه ليس من صيغ الطلاق. فالمقصود بالذات من قوله «و طلقها.. الخ» بيان الفرق بين صيغتي الخلع في صيرورة الثاني طلاقا رجعيا، دون الاول. لا بيان انه لا يوجب الطلاق بعوض، تملك الفدية اذا لم يكن هناك كراهة و كانت الاخلاق ملتئمة.

اما ما يترائي من عبارة المسالك، من انه ايضا قائل بان مراد المحقق (و غيره ممن عبّر بهذه العبارة) ان الطلاق بعوض، مشروط بالكراهة مطلقا. [فانه] قال: «ان كان اجماعيا فهو الحجة في حكمه و الاّ‌ فلا يخل عن اشكال. لان النصوص انما دلت علي توقف الخلع علي الكراهة. و ظاهر الطلاق بعوض، انه مغاير له و ان شاكله في بعض الاحكام»[45] انتهي. فتعرف توجيهه.

و قد يقال: ان مراد المحقق و من وافقه، ان الفرقة الحاصلة بعوض، لما كانت تقع بالخلع المجرد عند من اكتفي به. و بضميمة الطلاق، عند من لم يكتف به. و بالطلاق المجرد عن الخلع (و هو متفق عليه بينهم) اراد ان يبين حكم الجميع فادخل الاولين في قوله «لو خالعها». و الثالث في «لو طلقها»، و غرضه ان الكل مشترك في اعتبار الكراهة من الزوجة لانها شرط في حلّية العوض مطلقا، للاية و غيرها. و قد فهم الشهيد الثاني و غيره من عباراتهم ذلك.

فالقول بان مرادهم انه لو طلّقها بقصد الخلع المعهود، لم يملك الفدية بخلاف ما لم يقصده، فاسد. لمنافاته لاطلاقهم، و لعدم مناسبة المقابلة بالخلع، و لانه لا دخل لقصد الخلع المعهود و عدمه في حرمة العوض و حلّه مع وقوع الصيغة بلفظ الطلاق بعوض، الذي هو طلاق مستقل بنفسه و لا فرق بينه و بين الخلع الاّ باعتبار بعض الامور الخارجية. و لانه اذا كان الطلاق بعوض، مغايرا للخلع (باعتبار اشتراط الكراهة و عدمه) و كان طلاقا صحيحاً بنفسه، فاذا قالت المرئة «طلقني بكذا» و قال الزوج «انت طالق بكذا» حال عدم الكراهة منها، فمقتضي الاطلاق، ان يحمل علي معناه الصحيح. لاجتماع شرائطه. فكيف يتصور من هؤلاء الاعلام الحكم بحرمة العوض و وقوع الطلاق رجعيا، او فاسداً.



[1] المرجع عينه.

[2] المرجع عينه.

[3] و في النسخة: انه.

[4] و في النسخة: و لو اراد.

[5] و في النسخة: كما تقول.

[6] و في النسخة: و ان لم تف.

[7] و في النسخة: ثابتاً.

[8] و في النسخة: و لا ينقل.

[9] اي: لا اشكال في صيرورة هذا الشرط جزء العقد في العقود. لكن الاشكال صيرورته جرءً في الايقاعات.- و في النسخة: في صيرورة ذلك لانها في الايقاعات.

[10] و في النسخة: من جنسه.

[11] و في النسخة: من الجنس.

[12] و في النسخة: يتحقق.

[13] و في النسخة: و الايقاعات.

[14] و في النسخة: وجوب في الوفا.

[15] اي: المومنون عند شروطهم.

[16] الوسائل، كتاب العتق، ب12 ح2.

[17] ايضاح الفوائد في شرح اشكالات القواعد (اول باب الخلع) ج3 ص374- 375 ط كوشانپور.

[18] و في النسخة: لنسبة.

[19] و في النسخة: البضع.

[20] و في النسخة: لذاته.- لكن ليس في عبارة العلاّمة و لا في عبارة الفخر لفظة لذاته. فراجع.

[21] و في النسخة: مهيّة.

[22] و في النسخة: الاعتراض.

[23] و في النسخة: والده الخ.

[24] و في النسخة: و هو.

[25] و في النسخة: جامعوا.

[26] و في النسخة: علي ما فهمه القائل.

[27] عبارة النسخة: ففي جعل مراد فخر المحققين.. .

[28] اللمعة الدمشقية ابتداء كتاب الخلع و المبارات- و فيه «مع العوض». ط دارالناصر، ص213.

[29] و في النسخة: شيئا.

[30] نهایة المرام فی شرح مختصر شرایع الاسلام، ج2 ص126 ط جامعة المدرسین.

[31] و في النسخة: نقضا.

[32] المبسوط، ج4 ص344.

[33] نهایة المرام فی شرح مختصر شرایع الاسلام، ج2 ص126 ط جامعة المدرسین.

[34] و في النسخة: عن المعروف.

[35] و في النسخة: الواحد.

[36] لا يكاد يقرء ما في النسخة.

[37] و في النسخة: يغاير.

[38] و في النسخة: شيئا.

[39] و في النسخة: اتحادهما.

[40] و في النسخة: كالفضول- توضيح: اي الازلة جنس و باقي الالفاظ كل منها فصل.

[41] و في النسخة: و انه ينقسم.

[42] و في النسخة: مما.

[43] و في النسخة: لمهيه.

[44] الشرايع، (كتاب الخلع، النظر الرابع) ج3 ص41 ط دارالتفسير.

[45] المسالك (كتاب الخلع) ج2 ص54 ط دارالهدي.