كتاب الطلاق: هذه رسالة‌، في انفراد مسئلة الطلاق بعوض، عن الخلع. (3)

فاذا تامّلت فيما ذكرنا؛ عرفت ما في كلام[1] العلاّمة في التذكرة؛ حيث قال في مسئلة هبة الحلي بشرط الثواب في المجانس[2] متفاضلاً: «انّه لا يضرّ التفاضل و لا عدم قبض المجلس. لانّ الهبة عقد مستقل عينا. و التفاضل و اشتراط القبض انما هما في البيع». ثم نقل موافقة بعض الشافعية له مستدلاً بانّا لم نلحقه بالمعاوضات في اشتراط العلم بالعوض. فهكذا في ساير الشرائط. و لانّ باذل الثواب في حكم واهب جديد، فكانّه يقابل هبة لهبة. ثم قال «و يضعف الثاني بانا لا نشترط في الثواب بلفظ العقد ايجاباً و قبولاً. و لو كان هبة مجددة، لَاشتُرط»[3] انتهي[4].

 

فيه: ان مراد بعض الشافعية، انما اخراجه عن المعاوضة المقصودة فيها تبادل العوضين، كالبيع، حتي لا يجوز التفاضل و ترك قبض المجلس. بل هما نقلان متغايران. و لذلك قال «فكانّه يقابل..» و لم يقل انه هبة في مقابل هبة. حتي يستلزم لزوم الايجاب و القبول، و ان كان مستلزماً لذلك لو شرط هبة اُخري، او بيعاً، او غير ذلك. فلا يرد عليه ايراد العلاّمة بانه لو كان هبة مجددة، لَاشتُرط.

 

و اما قوله(ره) «بانّا لا نشترط في الثواب لفظ العقد ايجاباً و قبولاً»، فان اراد ان الثواب من حيث انه ثواب لا يستلزم الايجاب و القبول و لا يشترط فيه العقد. فهو معني صحيح؛ اذ الثواب قد يكون عملا خاصاً كالخياطة و الكتابة و الابراء، و لا يحتاج الي عقد جديد. بل لو كان الثواب عقداً كالهبة و البيع و نحوهما. فان الحاجة الي العقد و الايجاب و القبول، لاجل انه هبة، او بيع. لا لاجل انه ثواب.

 

قال في التذكرة في كتاب الحجر: «و للوليّ ان يهب مال الطفل بشرط الثواب مع المصلحة؛ اِما مع زيادة الثواب علي العين، او مع تحصيل امر من المتّهب ينتفع به الطفل نفعا يزيد علي بقاء العين»[5] انتهي كلامه(ره). و الظاهر انّ تحصيل ذلك الامر جزء العوض. و هو ليس هبة.

ثم: انه لابد هنا من التنبيه علي مرادهم من لزوم العقد [في] الهبة المعوضة. لتكون علي بصيرة فيما نحن فيه. فاعلم: انّ الواهب اذا اوجب الهبة و شرط العوض و قبل المتّهب و قبض الموهوب و عمل بمقتضي الشرط، فيصير العقد لازماً من جانب الواهب و المتهب كليهما. و لا يجوز لاحدهما الرجوع الي ما كان سابقا. و يدل عليه (مضافا الي الاجماع) عموم مثل قوله تعالي «اوفوا بالعقود»، سواء جعنا العقد شيئاً و احداً مشتملاً‌ علي نقلين و انتقالين، او قلنا بان الهبة الاُولي عقد، و التعويض ايضا عقد، لانه عبارة عن نقل المشروط الي المشروط له،‌ بقصد العوضية. و قبول المشروط له كذلك بالمعني الذي ذكرنا في القبول.

و اما الاستدلال بالرواية الدالّة علي لزوم الهبة المثاب عليها؛ فانها[6] يتم في الهبة الاُولي. لصدق الهبة المثاب عليها بلا اشكال. و اما في العوض[7]، فلايتم، اذا كان العوض غير هبة. و اما اذا كان هبة؛ ففي صدقها عليها، خفاء ايضا. لانّ المتبادر من «المثاب عليها»‌ تاخر الثواب منها، و المفروض تقدم الثواب حينئذ. الاّ ان يقال: ان قبول الواهب الاول لها بقصد العوضية، يجعل الهبة الاُولي عوضاً عنها بعد القبول.

 

هذا كله اذا تحقق الهبة الاولي و التعويض معا. و اما اذا تحقق الاولي و لم يتحقق الثاني بعدُ، فالواهب الاول بالخيار. لعدم صدق المثاب عليها بعدُ. لعدم تحقق الثواب و صدقه الا بالقبض. فالاخبار الدالة علي [عدم] لزوم غير هبة ذي الرحم و المثاب عليها، يشمله. و هي مخصّصة لعموم «اوفوا بالعقود». و لا يجبر الموهوب [له]، علي دفع العوض. بل هو مخير بين ردّ الموهوب و دفع المشروط. و لا مجال لتوهم وجوبه لانه شرط في ضمن عقد لازم. اذ هذا الشرط انما وقع في ضمن عقد جايز و هو الهبة الاولي. و الذي يجب الوفاء به، انما هو اذا كان في ضمن عقد لازم.

 

و اشكال صاحب المسالك بان العقد من جانب المتهب لازم، مندفع بان العقد من جانب المتهب متولد من هذا الشرط. فلا معني لكون الشرط في ضمنه. و مراده من اللزوم من جانب المتهب، انه لا يجوز له فسخ ما اوجب عليه الشرط؛‌ بان يتملك الموهوب و اعرض عليه من الشرط. لانه يجب عليه الالتزام [بـ]العوض و ان ردّ العين الموهوب. بل هو مخير قبل الاتيان بالشرط، بين ردّ الموهوب و بين دفع المشترط[8]. كما صرح به في المسالك مكررا. هذا كله في الهبة المشروطة فيها العوض.

 

و اما في الهبة المطلقة: (التي عوّض عنها المتهب و حصل التقابض)، فالدليل علي لزومها (بعد الاجماع ظاهرا) هو عموم «اوفوا بالعقود»، بالتقريب المتقدم. فان الهبة الاولي و ان كانت جائزة- اذا كانت لاجنبي بسبب الاَخبار الدالة علي عدم اللزوم اذا كانت في غير رحم او مثاب عليه- لكنه بعد حصول العوض بقصد العوضية و قبول الواهب بهذا العقد، كل منها هبة مثاب عليها. اما الاولي، فظاهر. و اما الثانية، فلان القبول بقصد العوض يجعل الاولي ايضا عوضا عن الثانية. كما اشرنا. اذا عرفت هذا.

 

فنقول: اذا قالت الزوجة: «وهبتك بشيئٍ الفلاني علي ان تطلّقني في عوضها». و يقول الزوج: «قبلت و انت طالق علي[9] هذا». فيصح الطلاق، و يملك الزوج الموهوب. و كلمة «علي هذا»‌ لاجل الاشعار للعوضية. لانه لا يتم الاّ بقصد العوضية. فلو عُلم القصد و القبول من الطرفين، فلا حاجة اليها. و لا يجب المقارنة بين قول الزوجين (كما كانت معتبرة في الخلع). اذ لا يشترط في الهبة المعوضة، مقارنة العوض في الخارج. و لا اشكال في جواز المقارنة، اذا حصل القبض قبل الطلاق. و اما لو قارن الطلاق بايجاب الزوجة للهبة و قبولها من الزوج بدون قبض الموهوب، ففيه اشكال؛ اظهره عدم الصحة. لان القبض في الهبة، شرط الصحة. علي الاصح. فما لم يتحقق الهبة بسبب عدم القبض، فلا معني للتعويض و قصد كون العوض عوضا عنها.

 

فليس لاحد ان يقول: ان الهبة و ان لم يتحقق بعدُ، لكنه يجوز ان يعوض المعوض بالهبة التي يتحقق بانضمام القبض، لان هذا ليس بداخل في الهبة المعوضة. بل انما هو من باب القسم الاول من الاقسام الستة المتقدمة، او القسم السادس. و كلامنا اَلان ليس فيه. و اما وجه الصحة؛‌ هو[10] عدم اشتراط المقارنة بين العقد و القبض. فاذا كان قاصدا للقبض[11]، صدق عليه انه عوّض الطلاق عن الهبة.

 

و فيه: مع انه اخص من المدعي، اعم من قصد القبض. [فـ]كفاية القصد ممنوعة. نعم له وجه ان قلنا بانّ القبض كاشف عن الصحة اولاً. و لكن لا يحضرني الان قول به من الاصحاب. اذ ظاهرهم كون القبض جزء السبب. نعم نقله في التذكرة قولاً للشافعي. هذا كله علي المختار.

 

و اما علي القول بكون القبض شرطاً في اللزوم، لا الصحة، فيكون تصحيح الهبة المعوضة. اذ كما ان القبض علي هذا القول يوجب اللزوم، فكذلك التعويض. و ان كان بين اللزومين فرق. اذ المراد من اللزوم في الاول، هو فيما يتحقق فيه اللزوم كهبة ذي الرحم. و في الثاني، اللزوم مطلقا.

و الحاصل: ان مطلبنا يتم فيما لو حصل القبض قبل التعويض و ان كان بسبب كون الموهوب في يد الزوج. بل و يمكن الاكتفاء‌ بهبة ما في ذمّته ايضا (مثل الصداق) لجواز هبة ما في الذمة، و ان جعلناه من باب الابراء، فان الظاهر انّ احكام الهبة جارية فيه، كما يستفاد من الخبر الصحيح الوارد في جواز هبة ما في الذّمة[12]. فان الظاهر من اطلاق الهبة، هو اجراء احكامها فيه؛ من اشتراطه بالقبض، و الفرق بين ذي الرحم و غيره، و المعوضة و غيرها. كما يستفاد من صحيحة صفوان المجوّزه لهبة ما في الذمة لغير من في ذمته. قال: «سئلت الرضا-ع- عن رجل له علي رجل مال، فوهبه لولده، فذكر له الرجل المال الذي له عليه. فقال: انه ليس عليك منه شيئ في الدنيا و الاخرة. فطيب ذلك له و قد كان وهبه لولده-؟ قال: نعم يكون وهبه له ثم نزعه فجعله لهذا»[13]. فانّها محمولة علي ما لم يحصل القبض في حق الولد. و لا يلزم ان يحمل الحديث الصحيح (الوارد في جواز هبة ما في الذمة لمن عليه) علي الابراء. بل يصح جعلها هبة ايضا. و يكفي كونها في ذمته، عن قبضه. و قد عُلم من صحيحة صفوان عدم منافاة كون المال في الذمة، وقوع الهبة به و صحته. اذ لا معني للابراء ثَمة.

 

فالبذل المعوض بالطلاق، يراد به المعني الاعم من العيني و الديني. سلّمنا كون بذل ما في الذمة من باب الابراء دون الهبة. لكن لا دليل علي بطلان المعاوضة في الابراء. و توهم ان الابراء لا يقبل الشرط، فاسد. اذ المسلّم منه هو محض التعليق، لا مطلق الشرط. فيصح ان يقال «انت بريئ مما في ذمتك مني، علي ان تبرئني مما في ذمتي لك». لكن هذا ليس من باب الهبة المعوضة التي نحن بصدد بيانها الان. بل هو داخل في القسم الرابع علي وجه سيجيئ الكلام فيه.

و قد ظهر لك مما ذكرنا، تصحيح طرد الحد من دخول الطلاق بعوض بتقييد الفدية باللازمة للمهية، و تصحيح ان الطلاق قد يستلزم تمليك الفدية في غير صورة الخلع اذا اوجده في قالب الهبة المعوضة. و اما انه هل يفيد البينونة، ام لا؟-؟ و ان البينونة فيه هل هو في معني البينونه في الخلع، ام لا؟-؟

فنقول: انه يفيد البينونة بمعني الانقطاع، و لكن ليس في معني الخلع مطلقا. اذ البينونة هنا حاصلة من اللزوم الحاصل من الهبة المعوضة. فمقتضاه عدم جواز استقلال احدهما بالرجوع. للزومها من الطرفين. فلا يمكن الرجوع الاّ بالتقايل. بخلاف الخلع. فانه يجوز استقلال المرئة بالرجوع دون الزوج. و لكن اذا رجعت المرئة، فيجوز للزوج الرجوع ايضا، اذا لم يكن هناك مانع خارجي ككونها صغيرة، او يائسة، او غير ذلك. و من ذلك يظهر جواز التقايل في الخلع ايضا، و لكنه لا حاجة الي اعتباره، لكفاية رجوع الزوجة في جواز رجوع الزوج.

 

نعم: هنا كلام اخر: و هو ان الهبة المعوضة فان اقتضت اللزوم من الطرفين، و لكن الزوجة قد يكون مدخولة من ذوات الاقراء. و عمومات ما دلّ علي جواز الرجوع فيها يشملها. فالنسبة بينها و بين هبة المعوّضة، عموم من وجه. فما وجه ترجيح مقتضي الهبة المعوضة؟‌ و ايضا: قد يتحقق الهبة المعوضة، بجعل العوض محض اجراء الصيغة. و هو لا ينافي عدم حصول البينونة.

و جوابه: ان المفروض ان المرئة تريد الخلاص من تسلط الزوج و انقطاع تسلطه عليها[14]. فمرادها من جعل الطلاق عوضا عن البذل، الخلاص الذي لا يستقل الزوج بالرجوع فيه. لا مجرد اجراء صيغة الطلاق و ان جاز له الرجوع في العده من ساعته. و بهذا يتحقق البينونة.

فان قلت: ان هذا يستلزم التشريع و جعل ما جعله الشارع جايزاً، لازماً. فان الطلاق الذي يريده المرئة عوضاً عن البذل، اذا كان طلاق المدخولة ذات الاقراء‌ الغير المكرهة للزوج مثلا، فهو طلاق رجعي فكيف يصير بائناً.

قلت: ان مرا[د]نا ان الزوجة تريد اسقاط حقه الثابت له بالشرع، لا جعل ما فيه له حق، غير ما له فيه حق. فكانّها تقول «بذلت هذا المال لك علي ان تبذلني في عوضها طلاقا يسقط فيه ما لك من حق الرجوع». [كما] اذا صالحت الزوجة بعد الطلاق مهرها  و نفقتها ايّام العدة، باسقاط حق الرّجوع. و ابطلنا نظير هذا الايراد ثمة، فانه ليس لاحد ان يقول ان الزوج ليس له جعل ما هو جايز و يستحق فيه الرجوع، بحيث يصير لازما و غير مستحق فيه الرجوع. لانه يسقط حقه الثابت بالشرع من جهة الرجعة. لا انه يجعل الطلاق الرجعي الذي جعله الشارع مما يستحق فيه الرجوع، غير ما يستحق فيه الرجوع. فتدبّر.

فظهر من ذلك انّا لا نلتزم كون كل طلاق بعوض، بائناً (فانه قد ترضي الزوجة التي من شأن طلاقها ان يكون رجعيا، ببذل مال في عوض طلاقها و ان لم تشترط[15] البتّ و البينونة. لغرض من الاغراض). نقول[16] انه مما قد يحصل البينونة في غير الخلع. و الحاصل ان مرادنا هنا بيان تحقق فرد من الطلاق يحصل به تملك العوض، غير الخلع و المبارات. لا حصوله[17] [بـ]اثبات كونه بائناً كالخلع. و قد ثبت التحقق فيما ذكرنا سيما اذا كان الطلاق بائناً من جهة اُخري.

و اما اندراجه في الصلح: فبان يجعله عوضا للصلح؛ فتقول المرئة «صالحتك هذه الفدية بان تطلّقني». و طلّقها في عوضه. و يشمله عمومات ادلة‌ الصلح. فانه جايز بين المسلمين الا ما احلّ حراماً، او حرّم حلالاً. بل في كلمات الاصحاب اشارة الي ذلك في خصوص الموضع:

 

فمنها: ما قاله العلاّمة(ره) في التحرير في كتاب الصلح: «لا يجوز الصلح علي ما لا يجوز اخذ العوض عنه مثل ان تصالح امرئة لتقرّ له بالزوجية. و لو دفعت اليه عوضاً ليكفّ عن هذه الدعوي، فالوجه عدم الجواز. فان اصطلحا علي ذلك ثم ثبت الزوجية بالبينة او باقرارها، كان النكاح باقيا. و كذا لو ادعت ان زوجها طلّقها ثلاثا، فصالحها علي مال لتنزل عن دعويها، لم يجز. و لو دفعت اليه عوضا ليقرّ بطلاقها، لم يملكه. بخلاف ما لو بذلت عوضاً ليطلّقها»[18].

 

اقول: و هذا الكلام ظاهر بل صريح في جواز الصّلح علي الطلاق. فهذا طلاق بعوض. فان مراده من قوله «بذلت عوضا.. الي اخر كلامه» هو بيان حكم المصالحة معه علي ان يطلّقها. و كذا المراد من قوله «دفعت اليه عوضا»، بقرنية قبلها. اذ الكلام و البحث و جواز المصالحة علي ما لا يجوز، و اخذ العوض عنه، و ما يجوز، و توضيح مطلبه ان البضع مما لا يتملّك بالمعاوضة. فكما لا يجوز بذل المرئة بضعها لسقوط دعوي الرجل، و كذا اعراض الرجل عن البضع الذي يدعيه و جعله للمرئة في مقابلة عوض، فلا يجوز المصالحة عليها ايضا. فان فعلا هذا الفعل التي لا يجوز و تصالحا عليه، فكما هو حرام فلا يترتب عليه ثمرة ايضا. فلو ثبتت الزوجية بالبينة او باقرارها، يكون النكاح باقياً.

 

و كذا الوادعت ان زوجها طلّقها ثلاثا، مريدة بذلك انّها مالكة لبضعها و محرّمة علي الزوج. فكما انّه لا يجوز (بعد اقرارها بكونها محرمة علي الزوج) تسليم بضعها الرجل في ازاء عوض، لا يجوز بعد انكار الرجل كونها مطلّقة بالثلاثة (مريداً بذلك انه مالك لبضعها) ان ياخذ عوضا عنها و يخلي بضعها لها و يجعل خيرتها بيدها. فكذا لا يجوز المصالحة. بخلاف ما لو بذلت عوضا ليطلّقها، فانه جائز، و المصالحة عليه جايزة.

 

فان قلت: لعل مراده من قوله «ليطلّقها»، «ليخلعها»،‌ بقرنية كلامه في التذكرة قال «يصح الصلح عن كل ما يجوز اخذ العوض عنه، عيناً‌ كان كالدار و العبد، او ديناً، او حقاً‌ كالشفعة و القصاص. و لا يجوز علي ما ليس بمال مما لا يصح اخذ العوض عنه؛ فلو صالحته المرئة علي ان يقرّ له بالزوجية، لم يصح. لانها لو ارادت بذل نفسها بعوض، لم يجز. و لو دفعت اليه عوضا عن دعوي الزوجية ليكفّ عنها، فالاقرب الجواز. و للحنابلة وجهان؛ لان المدعي ياخذ عوضا عن حقه من النكاح، فجاز كعوض الخلع و المباراة، ‌تبذله لقطع خصومته و ازالة شرّه، فجاز. فان صالحته ثم ثبتت الزوجية باقرارها او بالبينة، فان قلنا الصلح باطل، فالنكاح باق بحاله. لانه لم يوجد من الزوج سبب الفرقة من طلاق و لا خلع. و ان قلنا يصح الصلح، فكذلك ايضا. و عند الحنابلة انّها تبين منه باخذ العوض، لانه اخذه عما يستحقه من نكاحها، و كان خلعا. كما لو اقرّت له بالزوجية فخالفها و ليس بشيئ. و لو ادعت ان زوجها طلّقها ثلاثاً، فصالحها علي مال لترك دعويها، لم يجز. لانه لا يجوز لها بذل نفسها لمطلّقها، بعوض. و لا بغيره. و لو دفعت اليه مالاً ليقرّ بطلاقها، لم يجز. و للحنابلة وجهان: احدهما الجواز، كما لو بذلت له مالاً ليطلّقها» انتهي[19].

 

و التقريب ان يجعل قوله[20] «بخلاف ما لو بذلت عوضا ليطلّقها» اشارة الي بطلان قياس الحنابلة ما نحن فيه، بالخلع. يعني انه لا يجوز هنا و لا يصير خلعاً. كما قالت[21] الحنابلة. لعدم ثبوت الزوجية، و معني الخلع هو خلع الزوج زوجية الثابتة عن نفسه بعوض. و قد ورد به الكتاب و السنة. و المراد فيما نحن فيه، جواز اخذ الفدية علي ترك دعوي الزوجية الغير الثابتة، بان يقرّ بطلاقها. فمراده ان هذا مخالف في الحكم في البذل بعوض الطلاق الثابت. فلا يقاس عليه. فلا يستفاد من هذا الكلام انه قائل بجواز اخذ العوض في مقابل غير الخلع، و صيرورته قسما اخر غير الخلع.

 

قلت: (مع كمال بُعد ذلك من اللفظ، و عدم ما يوجب تنزيل اطلاق كلام المصنف في كتاب، علي كلامه في كتاب اخر. لوقوع المخالفة من شخص واحد في مصنفاته المتعددة. بل في كتاب واحد. و سيما مع ظهور المخالفة في [الـ]مسئلة الاول، حيث استقرب الجواز في التذكرة، و استوجه عدمه في التحرير) انه لا ينفع في شيئ. اذ غاية الامر انّا سلّمنا ان مراده بالطلاق، الخلع. و نتيجة المقام (حيث صرح في التذكرة بصحة الصلح عن كل ما يجوز اخذ العوض عنه منطوقا، و في التحرير مفهوماً) ان يجوز الصلح في الخلع. بان تصالح الزوجة مهرها، اوشيئاً اخر لزوجها، علي ان يخلعها. و لم يعهد ذلك منهم في كتاب الخلع. فانهم جعلوا الخلع عقداً مستقلا و لم يذكروا جواز جريان صيغتها بعنوان المصالحة. فكما انك لا تسلم كون الطلاق بعوض، قسماً مغايراً للخلع و المبارات، لعدم ذكره في طي اقسام الطلاق، فنحن نقول الخلع علي سبيل المصالحة لم يُذكر في كلماتهم في طي اقسام الخلع. و ان قلت اندراجه انما هو من جهة عمومات الصلح، نقول بمثله في الطلاق بعوض حرفاً بحرف.

 

بقي الكلام في بيان وجه اختيار جواز اخذ الزوج شيئاً عن الزوجة ليكفّ عن دعوي الزوجية في التذكرة، و عدمه في التحرير؛ اما وجه عدم الجواز: فقد اشرنا اليه من انّه بانكاره الطلاق معترف ببقاء الزوجية، و لا يجوز بذل بضع زوجته بازاء عوض. و اما وجه الجواز: فما[22] ذكره(ره) من قوله «لان المدعي ياخذ عوضاً.. الي اخره» انما يناسب مذهب الحنابلة. و اما علي مذهبنا فلانه قياس مع الفارق. و لعلّه ما ذكره[23]، لاحد وجهي الحنابلة. و لذلك اخّره عن ذكر الوجهين. نعم يمكن توجيه الجواز بحيث يناسب مذهبنا بانّ اخذ العوض حينئذ انما هو لترك الدعوي، لا لبذل البضع التي هو مالكها باعترافه.

 

و التقريب: انه لا يبذل بضعها التي هو مالكها باعترافه، حتي يجوز لها التزويج بالغير، ليلزم الاعانة علي الاثم . و لا يستلزم جواز اسقاط الدعوي في مقابل شيئ، رضاه بالتزوج بالغير، المحرّم. اذ قد لا تعرف الزوجة بالحال لوقوع النكاح في حال صغرها ولايةً بدون اطلاعها و لا يتمكّن الزوج من اثباته لعدم البينة و عدم امكان تحليف المرئة لعدم علمها بالحال، او اعتمادها علي اصالة عدم النكاح. فلا يحصل في تزوّجها حينئذ محرّم. او لا يريد المرئة التزوج باحد و لكن مرادها محض الخلاص عن التجاذب و الخصومة، فتبذله شيئاً للخلاص عن الخصومة. و هو ايضا ياخذ لاجل ترك التجاذب.

 

الا ان يقال: ان اليمين يتوجه في مثل هذا المقام علي المدعي، لعمومات ما دلّ علي ان قطع النزاع باحد امور منها اليمين. و اختصاصها بالمنكر فيما كان منكراً صريحاً. فمع امكان اثبات زوجية المدعاة، كيف يتركها و ياخذ في عوضها شيئاً.

فكيف كان؛ فاثبات الجواز في غاية الاشكال. فالاظهر اِذَن ما اختاره في التحرير.

 

و منها: ما نقله العلامة في المختلف، عن ابن الجنيد انه قال «لو صالح امرئة علي ان يطلّقها علي ان ترضع له ولد[اً] سنتين، حتي تطعمه و علي ان يزيدها ثوبا بعينه قيمته قدر مهر مثلها، فقبضت الثوب فاستهلكته و ارضعت الصبيّ سنة ثم مات[24]، رجع عليها بنصف قيمة الثوب و نصف مهر مثلها ان كان دخل بها. و ان لم يكن دخل بها، رجع عليها بنصف قيمة الثوب و ربع مهر مثلها. و لو كانت زادته هي مع الرضاع شاة قيمتها مثل قيمة الثوب، رجع عليها بربع مهر مثلها و ربع قيمة الثوب، ان كان مدخولاً بها. و ان لم يكن مدخولا بها، رجع عليها بثُمن مهر مثلها و ثُمن قيمة الثوب. و لو استحقت الشاة و هي مدخول بها، رجع عليها بثلاثة ارباع قيمة الثوب، و ثلاثة ارباع مهر مثلها. و لو كانت غير مدخولة بها، رجع عليها بربع مهر مثلها و بقيمة الثوب[25]. و في صحة هذا الصلح نظر؛ من حيث ان الصلح انّما يتمّ علي ملك. و لو سلّم صحته فقد جعلت في مقابلة الرضاع بضعاً و ثوبا. فاذا لم يُسلّم اليه الجميع، كان عليها اجرة الرضاع للمدة[26] المتخلفة. و يتحمل ما قاله من الرجوع بنصف المهر، لانه عوض البضع. و كذا في باقي كلامه نظر. و بالجملة فهذه المسئلة لم يتعرض لها من علمائنا غيره»[27] انتهي كلامه(ره).

و ظاهر هذا الكلام بفيد انه يصح ان يجعل الطلاق وجه المصالحة. و ان يكون احد طرفي الصلح، الطلاق و الثوب. و الثاني الرضاع. و العلاّمة و ان ردّه و انكر عليه في صحة خصوص هذا الصلح، و لكن لم ينكر عليه اِن كان جريان الصلح علي الطلاق. و لذلك ذكر المسئلة في كتاب الصلح.

ربما يقال: ان مراد ابن الجنيد من الصلح هنا، ما يُعطي في وجه الخلع. فالمراد من المصالحة، المخالعة. بقرنية انّهم ذكروا في كتاب الخلع مسئلة جعل الفدية رضاعاً. و استشهد [وا] علي ذلك بما رواه البقباق عن الصادق عليه السلام: «قَالَ: الْمُخْتَلِعَةُ إِنْ رَجَعَتْ فِي شَيْ‏ءٍ مِنَ الصُّلْحِ يَقُولُ لَأَرْجِعَنَّ فِي بُضْعِك‏»[28].

 

و هذا في غاية البعد، لما ذكر. و لانّه لا وجه حينئذ لضمّ الثوب. اذ الفدية انما يكون من الزوجة. و اطلاق الصلح علي الفدية في رواية بقباق، مجاز بمناسبة ان اصلاح الحكَمين من الزوجين الذين وقع الشقاق بينهما قد ينجرّ الي الطلاق بالخلع.

 

بقي الكلام في بيان مطلب ابن الجنيد و العلاّمة، و لا يخفي ما فيهما من التعقيد. و ظاهر عبارة ابن الجنيد لا يرجع الي منقول، و غاية توجيهه ان الطلاق لمّا لم يكن من الامور المقوّمة القابلة لان يكون في ازاء عمل و اجرة بفعل، بل انما هو لفظ لو لم يعتبر ما يترتب عليه، كان وجوده كعدمه. فاحد طرفي المصالحة انما هو التسريح و سلب اختيار الزوج عنها و جعلها مالكة لنفسها الذي يترب علي هذا اللفظ. ففي الحقيقة احد طرفي المصالحة هو البضع و الثوب، و الاخر الرضاع. فاذا لم يتمّ الرضاع بسبب موت الولد و بقي نصف العمل. فيرجع الي نصف العوض، يعني نصف البضع و نصف الثوب (لمّا لم يكن استيفاء الثوب لاجل استهلاك الثوب، و عدم جواز تملك البضع التي خرجت من يده، بدون نكاح جديد) فيرجع الي نصف قيمتها و نصف قيمة الثوب. [و الرجوع الي نصف قيمة الثوب، معلوم.] و لكن الاشكال في نصف قيمة البضع. و جعله ابن الجنيد نصف مهر المثل، بمناسبة انّ تفوية البضع يستلزم ذلك[29] في مثل الدخول بالشبهة و في مثل المفوّضة بعد الدخول، و غير ذلك.

 

و يناسب ذلك ما ذكروه في كتاب الكفالة؛ ان الكفول اذا كان زوجة المكفول له، و عجز الكفيل عن امضائها، فلما كان الزوجة مما لم يكن استيفائها من الكفيل، فترجع الي بذلها و هو مهر مثلها.

و اما فرقه بين الدخول و غير ذلك، و جعله قيمة المدخولة تمام مهر المثل، و الغير المدخولة نصفه؛ فلعلّه مبتن عن ملاحظة مناسبة انّ الطلاق قبل الدخول انما يوجب نصف المسمي في العقد، و بعد الدخول يوجب تمامه. فكانّ المرا[د انّ] المدخولة قيمتها تمام المهر و الغير المدخولة نصفه. و طَرَد الحكم فيما نحن فيه. و انت خبير بان كل ذلك خيالات واهية بمناسبات غير مرتبطة بدليل، و قياسات مع الفارق.

 

و لعل العلامة(ره) ايضا فهم من كلامه ما فهمناه، فقال «في صحة هذا الصلح نظر» لان الصلح [يصح][30] علي ما يملك، و البضع لا يملك بمعني صيرورتها مورد المعاملات المالية. و ان صح اطلاق التمليك عليها بسبب النكاح و التحليل الذي بمعناه. و تملك المولي بضع مملوكته انما هو بتبعية تملكها لعينها [لا] من حيث اَنّها بضع. فاذا لم يتمّ الملك، لم يصح التقويم و ردّ نصف قيمتها.

ثم قال: و لو سلّم صحته فقد جعلت في مقابلة الرضاع بضعا و ثوبا، فاذا لم يسلّم المرئة الي الزوج جميع الرضاع، عليها اجرة رضاع المدة المتخلفة. يعني كان عليها نصف اجرة مثل العمل. و ليس له مطالبة نصف الاجرة المسمّاة.

و فيه نظر. اذ هذه المصالحة المساوقة لعقد الاجارة (بعد تسليم صحتها بسبب جواز تلك البضع و جعل البضع مقوَّماً) مقتضاه الرجوع الي نصف الاجرة المسمّاة. فان الاجرة في الاجارة، تُملك بالعقد و لكنه لا يستحقها الاجير الاّ بتمام العمل. فان نقص من العمل، يستردّ المستاجر ما قابل النقص. كما ذكروه في الاحتمال بعد ذلك. نعم: يتمّ ما ذكره في الخلع اذا جُعل الفدية، رضاعاً. لعدم امكان الرجوع للزوج. قال في القواعد (في صورة موت الولد): «رجع عليها باجرة المثل»[31]. يعني بقية المدة.

 

و قد يوجد في بعض الحواشي علي «المختلف»، توجيه اخر لكلام ابن الجنيد. و حاصله: انّه فرض الكلام فيما لم يكن مسمّي في المهر، و فرض الكلام فيما لو طالب الطلاق علي ما يستقر في ذمته بعد الطلاق من المهر. و آجرت نفسها[32] للرضاع بثوب و ما يستقرً عليه من المهر بعد الطلاق. و حينئذ فاذا لم يتمّ الرضاع، فيرجع الزوجة الي نصف ما استقر عليه من المهر و بنصف قيمة الثوب. و حينئذ فان كانت مدخولة، فيستقر عليه تمام مهر المثل، و الاّ فنصفه. فاذا لم يتم المرئة الرضاع، فيرجع الزوج الي نصف قيمة الثوب و نصف مهر المثل ان كانت مدخولة. و ربعه، ان كانت غير مدخولة. و يتمّ الكلام الي اخره.

 

و فيه ايضا: انّ‌ هذه التقديرات كلها خلاف الظاهر. مع انّ المهر في المفوضة لا يستقر في ذمة الزوج ان كانت غير مدخولة، لا كله و لا نصفه. و الكلام في البينونة و عدمها، مثل ما مرّ في الهبة المعوضة. و اما اندراجه في ضمن الشروط المذكورة في ضمن العقود اللازمة (بان تصالح[33] مهرها بشيئ و تشترط في ضمنها ان يطلّقها. او تبيعه شيئاً و تشترط في ضمنه ذلك) فلانّه يصدق علي هذا الطلاق انه طلاق في مقابل عوض و يحصل تملك العوض بالطلاق، و انّ للشرط قسطا من الثمن. و الكلام في البينونة كما مرّ.



[1] و في النسخة: الكلام.

[2] و في النسخة: المجالس. و نسخة البدل: المجلس.

[3] التذكره، ص422 الطبعة القديمه، موسسة آل البيت(ع).

[4] و في النسخة: لاشتراط النهي كذا في ان.. .

[5] التذكرة، ج14 ص261 طبعة الحديثة، آل البيت(ع).

[6] و في النسخة: فانّهما- و كان الاولي «فانّه». لان مرجع الضمير، الاستدلال.

[7] و في النسخة: في التعويض.

[8] و في النسخة: رفع المشترط.

[9] و في النسخة: مع.

[10] و في النسخة: و هو.

[11] و في النسخة: فاذا كانت قاصدة للقبض.. .

[12] الوسائل، كتاب الهبات، الباب الاول، ح1.

[13] الوسائل، كتاب الهبات، الباب الثاني، ح 1- و فيه: عن رجل كان له علي رجل.

[14] و في النسخة: و القطاع تسلط عليه.

[15] و في النسخة: يشترط.

[16] و في النسخة: يقول.

[17] و في النسخة: حصول.

[18] تحرير الاحكام الشرعيه، ج3 ص14 ط موسسة الامام الصادق(ع).

[19] التذكره، ج16 ص131، الطبعة الحديثة، آل البيت(ع).

[20] اي قوله في عبارة التحرير.

[21] و في النسخة: كما لو قالت.

[22] و في النسخة: فاما.

[23] و في النسخة: امان ذكره.

[24] اي: مات الولد.

[25] الي هنا تمّ الكلام المنقول من ابن الجنيد. و ما بعده كلام العلاّمة نفسه.

[26] و في النسخة: الملة.

[27] مختلف الشيعة في احكام الشريعة، ج6 ص218 ط جامعة المدرسين.

[28] الوسائل، ج22، ص293.

[29] و في النسخة: ان تفوية البضع ليستلزم ذلك.

[30] هنا لفظ في النسخة لا يكاد يُقرء.

[31] القواعد، كتاب الفراق، في الخلع؛ المطلب الرابع في الفدية. ص388 ط كوشانپور- و ليس فيه لفظة «عليها».

[32] و في النسخة: اجرة نفسها.

[33] و في النسخة: كان تصالح.. .